يقول الله تبارك وتعالى فى كتابه الكريم: (إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا) صدق الله العظيم – النساء 40.
فى هذه الآية وغيرها كثير، ينفى الله تبارك وتعالى عن ذاته الظلم، والظلم فى اللغة، كما ورد فى لسان العرب، وضع الشىء فى غير موضعه، وأصل الظلم الجَوْر ومجاوزة الحد، وقد يظلم الإنسان نفسه، وقد يظلم غيره، أى إن الظلم هو مجاوزة الحد مع النفس أو الغير.
وقد ورد النهى عن الظلم فى القرآن الكريم مرات عديدة فى كثير من الآيات، لبيان مدى خطورته على الإنسان، دنيا وآخرة، على نفسه وعلى المجتمع من حوله، وأعظم الظلم الذى نهى القرآن الكريم عنه، الشرك بالله، فلقمان قال لابنه فى أول عظته له: ( يَا بُنَى لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ) – لقمان 13، فأعظم الظلم الذى يمكن أن يرتكبه الإنسان هو الشرك بالله.
ونقيض الظلم العدل، يقول الله تبارك وتعالى: ( وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ ) – الأعراف 181، أى إن هؤلاء الأمة المهتدين من خلق الله يهتدون بالحق، وبه يقضون وينصفون ويعدلون ولا يظلمون، هنا فى هذه الآية ترتبط الهداية مع الحق مع العدل برباط وثيق لا تنفصم عُراه من التقوى والإيمان بالله، تبارك وتعالى، الذى قال عن نفسه أنه لا يظلم مثقال ذرة، وهو جل وعلا الذى بلغ عنه الرسول، صلى الله عليه وسلم، فى الحديث القدسى: ( يا عبادى.. إنى حرمت الظلم على نفسى، فلا تظالموا).
وقد ارتبط ظلم الإنسان لنفسه بظلمه للناس فى القرآن، فعلى سبيل المثال، عندما خاطب القرآن الرجال الذين يطلقون نساءهم، قال: (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النَّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لَّتَعْتَدُواْ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ) – البقرة 231، هنا يقترن ظلم الرجل للمرأة التى يطلقها بظلمه لنفسه، والآية الكريمة تأمر الرجال بالعدل مع النساء بألا يتمسكوا بعشرتهن ضرارا ليعتدوا، أى يتجاوزوا حدود الله التى بينها لهم، فيظلموهن، وبالتالى يظلموا أنفسهم، وفى آخر هذه الآية الكريمة يأمر القرآن الكريم الرجال بتقوى الله لأنه يعلم كل شىء، أبدوه أو أخفوه فى صدورهم، ( وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) – البقرة 231 .
ونأتى إلى نوع اعتبره القرآن من أخطر أنواع الظلم، ظلم اليتامى وأكل حقوقهم، قال تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِى بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ) – النساء 10، فاليتيم الذى فقد أباه ماعاد له معين فى هذه الدنيا، يفتقد من يرعاه ويربيه ويحافظ على حقوقه حتى يسلمها له عندما يكبر، فإن كان ولى اليتيم ظالما وأكل ماله، فهو يأكل فى بطنه نارا، ولينتظر العذاب الأليم الذى توعده الله تبارك وتعالى به، جزاء وفاقا لما قدم فى دنياه، ( وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ) – الكهف 49.
ولقد اهتم القرآن الكريم، والشرع الإسلامى الحكيم باليتامى، وليس أدل على هذا الاهتمام من أن الحالة الوحيدة التى أبيح فيها تعدد الزوجات فى الإسلام، هى الخوف من ظلم اليتامى، ( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِى الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ ) – النساء 3، هنا يبيح الإسلام للرجل أن تتعدد زوجاته شريطة أن يكن أمهات لأطفال يتامى، يُخاف أن يُظلموا .
ولقد حفل القرآن الكريم بالعديد من الآيات التى تصف أحوال الظلم والظالمين، وتبين مصيرهم ومدى مقت الله تبارك وتعالى لهم، ( وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ) صدق الله العظيم - آل عمران 57 . والله من وراء القصد.
* سورية مقيمة فى مصر.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة