منذ يومين فوجئت بزميلتى السابقة سارة كار، التى عملنا سوياً فى ذى ديلى نيوز بين إبريل ونوفمبر من العام الماضى، تنشر وصلة إلكترونية عن قيام الأهرام بتزييف صورة من اجتماع المفاوضات المباشرة بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى، الذى حضره الرئيس مبارك فى واشنطن فى بداية الشهر الحالى، قامت الأهرام بإرفاق الصورة مع تقرير معمق كتبه كل من رئيس مجلس إدارة الأهرام الدكتور عبد المنعم سعيد والدكتور محمد عبد السلام مستشار رئيس مجلس إدارة الأهرام فى مناسبة استكمال المباحثات التى بدأت فى واشنطن فى الأول من الشهر الجارى، فى المنتجع المصرى شرم الشيخ فى يوم الثلاثاء الماضى، غير أن الأهرام قامت بقص الصورة لتوحى أن الرئيس مبارك يسير فى المقدمة ويسبق رفقائه فى الصورة السادة رؤساء كل الولايات المتحدة، إسرائيل، السلطة الفلسطينية، إضافة إلى ملك الأردن، بالرغم من أن سير الرئيس مبارك فى الموقع الذى سار به ليس به ما يسىء لمصر، حيث كان الرئيس أوباما هو المضيف وكانت المفاوضات بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى (الذى سار رئيس كل جانب منهما فى موقع تال مباشرة للرئيس الأمريكى) ثم كان الرئيس مبارك على الجانب الأيمن وكان ملك الأردن على الجانب الأيسر، أى أن الأمر برمته بروتوكولياً ولا يسىء لمصر أو رئيسها.
بالرغم من هذا، فقد رأيت الصورة معبرة للغاية عن أمور أخرى، رأيت فى الصورة مصر المتراجعة، سواء على المستوى الاقتصادى أو السياسى والتكنولوجى، ورأيت غائبين عن الصورة يملأون الساحة تماماً، كتركيا بتقدمها الاقتصادى الذى جعلها أكبر اقتصادات منطقة الشرق الأوسط، وإيران بتقدمها التكنولوجى وسعيها الحثيث تطوير طاقتها النووية.
مصر بالفعل للأسف فى المؤخرة.. ولا يصلح الفوتوشوب فى جعلها فى المقدمة، لكن جريدة الأهرام كان لها وجهة نظر أخرى، فربما رأت أن الحياة مع الفوتوشوب أفضل كثيراً.
لا أعرف حقيقة كيف تم ذلك، سألت عدداً من الزملاء، فكان ما أخبرونى به هو التالى: عندما تم النظر فى الصور المتاحة من الوكالات لمائدة الديسك المركزى أعجبت الصورة "الزميل" - تخرج هذه الكلمة ثقيلة الآن - الذى اقترح الفكرة، فهى حقيقى صورة صحفية متميزة.. لكن المشكلة أن الرئيس مبارك يسير فيها فى المؤخرة وتبدو عليه علامات التعب.. فما كان من زميلنا فى الديسك إلا أن اقترح "معالجة" الصورة - ربما كهذا رأى الأمر - وتم عرض الأمر على الزملاء فى السكرتارية الفنية الذين رفضوا الفكرة، ثم تم عرض الأمر على رئيس التحرير، الذى اقتنع بإمكانية فعل ذلك! ولا أعلم كيف لم ينتبه أحد ولم يفكر أحد أن صورة كهذه لحدث عالمى كبير سوف تنشر نسختها الأصلية فى أصقاع الأرض وأن الله خلق الناس "جميعا" بعينين اثنتين، وحتى من ابتلاه الله بالعور سوف يتمكن بسهولة برؤية تزييف الصورة، بل والأغرب أن الأهرام نشر الصورة الأصلية من قبل!
منذ رأيت الصورتين.. واستمرار نشر الصورتين الحقيقية والمزيفة بين صفحات الأصدقاء على الفيس بوك وأيضاً فى المصرى اليوم ثم فى البى بى سى، قبل أن تنتشر فى جميع الصحف العالمية من النيويورك تايمز للجارديان وربما وصلت الآن للصين وأنا أكتب هذه الكلمات، وأنا أشعر بغصة ما بعدها غصة.. وأردد بينى وبين نفسى "شىء سخيف أنك تحس أن جريدتك تنشر عملاً مزيفاً" - إسقاطاً على شعر الشاعر هشام الجخ "شىء سخيف أنك تحس إن بلدك شىء ضعيف" - وأسأل نفسى حقيقة.. ما الذى علىَّ أن أفعله؟
كان ردى على نفسى متفاوت:
١- أن أكتب تعليقاً ساخراً على الصورة يقول: "مش غلطة الأهرام.. غلطة الناس اللى ما يعرفوش العيبة ولا الأصول اللى خلوا البروتوكول يتحكم فيهم ويخلى الرئيس يمشى ورا!"
لكنى حقيقية الأمر أن خطأ الأهرام أكبر من أى دعابة.. الأهرام لم يخطئ فى حرف، أو لم يسهو عن غلطة نحوية، الأهرام "زيف" ولا أعرف هل هناك قانون فى نقابة الصحفيين يمنع الجرائد من تزييف الصور؟ وهل هناك عقاب على ذلك؟ وهل لدى الوكالات الإخبارية العالمية عقاباً لمن يستخدم الصور المباعة بعد أن يتم تحريفها أو تزويرها؟
أخبرنى زميل مصور، أن إحدى الوكالات الإخبارية العالمية قامت بفصل مصور لديها عندما قام باستخدام الفوتوشوب فى إحدى صور حادث معبد حتشبسوت عام ١٩٩٧!
الرد الثانى لى على سؤالى لنفسى "ماذا علىَّ كصحفية فى الأهرام أن أفعل؟".
-٢ أن أسارع بالبحث عن وظيفة أخرى وأحصل على إجازة من الأهرام حتى يصلح الله الأحوال، أو أستقيل إذا كانت الوظيفة الأخرى دائمة! وسألت نفسى هل الأهرام هو فقط مصدر رزق؟ أم أن هناك حلماً أن يعود للأهرام مكانته.. كجريدة كبرى فى دولة كان إعلامها ذات يوم يؤثر ويشارك فى تشكيل ووعى منطقة بأكملها؟ ولماذا لا يعود للأهرام وللإعلام المصرى تلك المكانة؟ - الإعلام أو الأهرام ليست كائنات حية ولكنها فى النهاية تلك المجموعة من الأفراد المخلصين النابهين الذين ينتمون لتلك الكيانات ويؤدى مجهودهم الجمعى لإيجاد تلك المكانة، لماذا ننكر مجموعة الأفراد النابهين الذين يقدمون مجهودا مميزاً فى الإعلام المصرى والعربى، بل والأجنبى، مصرياً كان رئيساً لبى بى سى العربية - حسام سكر- مصرية تلك التى تتولى رئاسة مكتب الفايننشال تايمز فى الرياض - عبير علام - وعودة لى وللأهرام هل يجب على أن أشعر بالخجل الشخصى بين أصدقائى مما فعله الأهرام فى تزييف الصورة؟ والسؤال الجدير بالإجابة: هو ماذا يفعل الفرد عندما يقوم من يتولى أمر الجماعة التى ينتمى إليها بفعل مشين؟ أو حتى عندما يقوم أحد أفراد هذه الجماعة بهذا الفعل؟ هل التصرف الأمثل للفرد أن يسلخ نفسه من هذه الجماعة؟ ولماذا كمسلمين تنقطع أنفسنا من ترديد أن من وراء ١١ سبتمبر هم قلة لا تمثل الإسلام - إذا كان من فعلها بالفعل القاعدة وليس السى آى إيه - ولماذا عندما تقوم إدارة تحرير الأهرام بتزييف صورة نقول "الأهرام" فعلت وليس "إدارة تحرير الأهرام" فعلت؟
نداء لذوى القلوب الرحيمة من الزملاء فى جميع مؤسسات الإعلام المرئى والمكتوب والمبثوث والإلكترونى، العربى والإنجليزى والهيروغليفى إن وجد، عندما تكتبون خبراً يجب أن يتم التمييز بين بين الأهرام وبين إدارة تحرير الأهرام.. تماماً كما نفرق بين الحكومة المصرية والشعب المصرى.. يجب علينا التفريق بين إدارة الأهرام وشعب الأهرام، حتى لا يشعر كل فرد من أفراد هذا الشعب بالخجل الشخصى من أخطاء ارتكبتها الإدارة وليس له هو يداً فيها.
• نائب رئيس قسم أسواق المال والاستثمار بالأهرام
الصورة الأصلية
الصورة التعبيرية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة