ناصر عراق

السيدة كاميليا... وترتيب الأوليات

السبت، 18 سبتمبر 2010 07:31 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
انتهت حكاية السيدة كاميليا شحاتة، وعاد المتظاهرون والمتشنجون – مسلمون ومسيحيون – إلى بيوتهم، بعد أن ظهرت السيدة المذكورة وأكدت أنها مازالت على دين آبائها وأجدادها.

السؤال: هل كانت حكاية السيدة كاميليا، والغموض الذى دار حولها يستحق أن يخرج الناس هكذا فى عدة مدن مصرية؟ وهل خروج المرء من دين ودخوله فى دين آخر يستلزم كل هذا الحشد والغضب؟ إننا نتعرض يومياً، وأكرر يومياً، للقهر والظلم من قبل من بيدهم الأمر، ومع ذلك لا نتحرك ولا نقاوم ولا نحتشد. كما أن الغلاء والفقر والقبح فى ازدياد مستمر من سنة إلى أخرى، ومن قرن إلى آخر، ومع ذلك أيضاً لا ننظم المظاهرات، ولا نبادر إلى الاحتجاج ضد الحكومات المتعاقبة التى أخفقت فى حل مشكلات الناس، بل وفاقمتها.

بصراحة.. علينا الاعتراف بأننا نعانى من خلل كبير فى ترتيب الأوليات، وأننا فقدنا البوصلة التى تحدد لنا الطريق السليم نحو استرداد حقوقنا التى سلبتها منا الحكومات المتعاقبة، حيث تركتنا عرايا فى صحراء الفقر والفوضى والاستبداد.

حسناً... لماذا لا نحتشد ضد غلاء الأسعار وانخفاض المرتبات؟ لماذا لا نتظاهر يومياً ضد قانون الطوارئ؟ لماذا لا نرفع صوتنا عالياً ضد الفوضى التى تخنقنا قى شوارع القاهرة، التى أصبحت من فرط الإهمال مدينة عجوز تنفّر الذين يقطنون فيها، أو القادمين إليها؟ لماذا لا نعارض بقوة شيوع الفساد فى مختلف نواحى حياتنا؟ والسبب فى كل هذه المآسى التى نكابدها يوميا يعود لا ريب إلى الذين حكموا البلد منذ عقود، ومع ذلك فشلوا فى تطويرها وتحديثها، كما أنهم – الحكام – أخفقوا تماما فى إشاعة العدل بين الناس وإنصافهم.

الغريب والمحزن فى آن واحد أن زيادة عدد المسلمين، أو نقصان المسيحيين واحداً، أو العكس، لن يجعل دخلنا الشهرى يكفى احتياجاتنا الأساسية. ولن يصلح لنا الشوارع المهترئة. ولن يحمينا من بطش بعض رجال الشرطة وصلفهم.

الأغرب أن انتقال شخص من دين إلى آخر أمر يخصه وحده. وثوابه أو عقابه عند الله سبحانه وحده. فلماذا إذن كل هذا الضجيج المجانى؟
طيب.. إذا كان الأمر كذلك، وهو كذلك بالفعل، فلماذا لا يتحرك المصريون إلا فى حالات مثل كاميليا، أو عقب مباريات كرة القدم المحلية والدولية؟

فى ظنى أننا نحن المصريين نعانى من جوع سياسى، أو بتعبير أدق نكابد حرماناً كبيراً من التعبير عما يجيش فى صدورنا من سخط وغضب ضد النظام ورجاله الذين زرعوا الإحباط فى صدور الناس، بعد أن سدّوا فى وجوههم نوافذ الأمل فى مستقبل أكثر حرية وعدلاً وجمالاً، لذا لم نجد نحن المقهورون والمغلبون على أمرنا سوى مباريات الكرة، أو حكاية كاميليا وأخواتها لنعبر من خلالها عن غضبنا وسعادتنا، لأنها لن تؤذى النظام فى شىء، وبالتالى فلن يعاملنا بالتى هى أسوأ. أما إذا عبرنا عن سخطنا ضد النظام وأفعاله، فأنت تعرف وأنا أعرف حجم البطش المنتظر من قبل هذا النظام القاسى.

ما العمل إذن؟ علينا إعادة ترتيب الأوليات ومقاومة جبروت الذين خطفوا الدولة بكل الطرق السلمية حتى نستعيد حقوقنا التى أهدروها، كما علينا تحمل كل التبعات التى تحملتها شعوب قبلنا انتزعت حريتها بعد أن دفعت ثمناً غالياً.

باختصار إن دين كاميليا، مهما كان، لن يحل أزمات الشعب المصرى الذى يستحق نظاماً آخر يعرف قدره وتاريخه، وهو قدر عظيم وتاريخ عريق بلا أدنى شك.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة