يبدو أن استغراق وزير التعليم العالى فى برامج التعاون الأوربى هى التى جعلت الوزير لا يحيط بالمشهد الجامعى الحالى المعبر عن الأسى حتى يثير الغثيان، والمختلف تماما عن الجامعة التى جاهد هذا الشعب العظيم لبنائها، وأفنى أساتذة أجلاء أعمارهم لرفعتها وبناء مكانتها العلمية وموقعها الأدبى، لتكون القائد العلمى للوطن، وتلحقه بركب التقدم المنشود والذى لا يزال منشودا منذ ستين عاما.
ويبدو أن وقت الوزير لم يتسع ليعلم أن ويلات الجامعات صارت مصدرا لفضائح منشورة، بل صارت حكايات الدروس الخصوصية والكورسات والملخصات ومؤامرات الأساتذة والتلاعب فى النتائج والتحويلات والرشاوى بأنواعها مما تتداوله ألسنة الناس، وبسبب ذلك كله فقد صار الفساد الجامعى أحد أبرز عناصر موضوع الساعة وهو الفساد العام .
كما أن وزير الجامعات لم تهزه الفضيحة الصادمة يوم أن نشرت الصحف التقارير العالمية عن أفضل الجامعات المتميزة فى العالم وليس من بينها جامعات مصرية، مما يقطع بحقيقة أن الجامعات الحكومية فى حالتها الراهنة صارت خارج السياق الأكاديمى تماما، ثم اكتملت فصول الفضيحة العالمية على شبكات الإنترنت وفى الأوساط العلمية العالمية بهذا التقرير الذى نشرته الصحف وأثبت أن جامعاتنا لم يعد لها وجود فى ساحة العلم إقليميا وعالميا .
هكذا فإن حقائق الواقع تنطق بأن جامعاتنا فى حال يدعو إلى الرثاء، وأن الخرق قد اتسع على الراقع، بحيث لم يعد بديل لمن أراد الحياة سوى النهوض من وهدة التخلف المزرى أو الموت، ولا يكون ذلك بغير إعادة البناء من جديد على أساس قويم، علميا وتعليميا وبحثا وتربية، بعيدا عن مشروعات التطوير الوهمى ونظام الجودة العبثية.
ولن يتحقق ذلك بغير قرار سياسى قد يتعذر صدوره، ولذا كانت أم الفواجع حين أعلن الدكتور هانى هلال وزير الجامعات العالى أن كل شىء سبق بحثه وبلورته؟ إنها مأساة أن يصدق الوزير أن شيئا تم بحثه وبلورته بأسلوب علمى يبتغى بعث الحياة فى جامعاتنا التى فارقت دنيا العلم منذ سنوات، كما أن مفاد كلام الوزير هو بقاء الحال على ما هو عليه، أى مزيد من الجفاف العلمى، والتكلس العقلى، والتصحر التعليمى، مما جعل جامعاتنا بلا هدف واضح محدد تتجه إليه، والطامة أن الوزير قد بنى مما سبق بحثه وبلورته إستراتيجية لتطوير التعليم العالى حتى سنة 2022؟ كيف يكون هذا والوطن العزيز بلا إستراتيجية أصلا؟ وهل تبنى الإستراتيجية داخل الغرف المغلقة وفى المكاتب المكيفة فى غيبة العلماء والمتخصصين؟.
جامعاتنا يا سيادة الوزير يحكمها قانون من مخلفات العصر الشمولى، أفلح فى تأميم الديمقراطية، وتحريم كل أنواع الانتخابات، وتكريس الدكتاتورية الشوهاء داخل الحرم الجامعى، وقضى على الحريات الأكاديمية، وأفقدها استقلالها وحريتها ودورها العلمى المرتجى، حتى إنك ترى فى هذه الجامعات فقط أن المجهولين علميا يتاح لهم القفز على مقاعد الصدارة الجامعية، وبيد هؤلاء غاب العدل والقانون، وتعطل النظام العام، واندحرت القيم والتقاليد الجامعية، وانطلق خفافيش الظلام وحملة مباخر النفاق يتراقصون، فازدهر الانحراف، وشاع التطلع المقيت.
وبذلك افتقد المناخ الجامعى المثل والقدوة فى أمثال هؤلاء الذين فرضوا قيما سالبة مثل : الغاية تبرر الوسيلة، والنجاح بالليالى الملاح، وغيرها، مما شجع أصاغر الفاسدين على الجهر بالسوء .
أليس عارا أننا منذ أكثر من نصف قرن نتحدث عن بعض جامعاتنا فنقول إنها جامعة أحمد لطفى السيد أو جامعة طه حسين، ثم لا نجد أسماء أخرى نضعها إلى جوار هذين العلمين؟ ألم يسمع السيد الوزير عن تلفيق الاتهامات، والشكاوى الكيدية واستخدام التحقيقات ومجالس التأديب سبيلا لترويع العلماء وإرهابهم لتكميم الأفواه؟ ألم يصله نبأ فساد العملية التعليمية وتحجر المناهج وتعطل المعامل وتخلف التدريس والامتحان، ألم يصله نبأ معرّة الكتاب الجامعى؟ والويل كل الويل لأصحاب الرأى والفكر المستنير؟ ألم يصل إليه شىء عن إغتصاب الحقوق كل الحقوق؟
ولماذا لا يسأل السيد الوزير عن أعداد القضايا التى ينظرها مجلس الدولة لضحايا الفساد الجامعى؟
لقد أمعنت هذه الجامعات فى إهدار أحكام القضاء، وإهدار القيم الجامعية، وقتل الحريات الأكاديمية، مما أصابها بالإحتقان وحدة رد الفعل، ونتيجة لأن المؤسسات الجامعية صارت إقطاعيات توهب للمعينين بالتزكيات السياسية والموافقات الأمنية ليفعلوا بها ما شاءوا دون رادع من قانون أو وازع من ضمير، فقد كثرت النشرات غير الدورية التى تنتقد بشدة الواقع المأساوى للجامعة وتفضحه بسخرية مريرة، فحققت رواجا كبيرا، بل صارت هذه النشرات تأريخا للفساد الجامعى، وجزءً من تاريخ الجامعة فى العقد الأخير، وبعضا من مكونات الثقافة الجامعية الحديثة: مثل: الطرطور، والفنكوش، والفيروس، وغيرها.
أليس عارا أن تغلق نوادى هيئات التدريس ويحرم الأساتذة من تنظيمهم شبه النقابى المدافع عنهم والمشارك فى القضايا العلمية والوطنية والإجتماعية خاصة فى فترات الاحتقان السياسى والفوران الإجتماعى التى نعيشها؟ وكيف يرضى الوزير أن تتحكم أجهزة الأمن والإدارة فى النوادى وتشكل مجالس الإدارة على هواها، وتطبق نظاما مفاده : إن التعيين والتزوير والإنتخاب كلها بيد الأمن؟
أليس عارا أن تبقى هذه اللائحة الطلابية التى تحرم شباب الجامعات من التفكير والتعبير وإدارة شئونهم، وتحرمهم من متابعة قضايا الوطن وأحداثه، فخمدت أنفاس الحركة الطلابية ومات النشاط الحر بكل أنواعه، وبقيت فقط لقاءات التملق والتلميع الإعلامى التى ينشرون كذبا أنها أنشطة جامعية، ولذا تكرست السلبية بألوانها، وإحتدت مشاعر الرفض والغضب، وبقى الأمر كله للأمن وحده لا شريك له، هذا الأمن الذى يبدى الوزير إعجابه به وحرصه عليه .
أليس عارا أن تتدنى رواتب الأساتذة إلى حد لا يتيح لهم مستوى معيشى متوسط فى زمن إنفلات الأسعار والشقق المليونية والمنتجعات التى تطاردنا بها الصحف وإعلانات التليفزيون، والغريب والعجيب أن يصر وزير الجامعات على نظام الجودة الوهمية، دون أن يفيد من تجربة التطوير العبثية التى ضاع فيها أكثر من 600 مليون دولار على الأحباب والمخلصين، بلا عائد على الجامعات.
* المتحدث باسم اللجنة القومية للدفاع عن الجامعات
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة