"مولد وانفض".. ولأننا بارعون فى اختلاق "الموالد" وتقديسها والتلهى بها، وإن انفضت نبحث عن تالٍ لها، فكانت النهاية على عكس البداية..
ساد الصمت تقريباً فى الأوساط الفنية فيما يختص بنقد العمل الشائك الأخير لـ"وحيد حامد".. "الجماعة". فمع الحلقات الأولى انبرى الغالبية فى إصدار الأحكام على العمل ليجد "حامد" نفسه- وجماعته- فى فك سبع يكاد يطبق عليه، أحد حديه اتهام بالعمالة ضد مصلحة "الإخوان" والآخر اتهام بتزييف التاريخ.
أغلب ظنى أن خطورة العمل جاءت لعدة أسباب أهمها أنه ربما العمل الدرامى الأول الذى يتناول تاريخ "الجماعة" بشكل مستقل وليس على هامش أحداث التاريخ، ونفس هذا التاريخ جعل الكثيرين يبدأون فى اتهام "حامد" بتدليس تاريخ "الجماعة" عمداً!
فى البداية كنت من قُراء رسالات الشيخ "البنا"- رحمه الله- وأُعجبت بما قرأت، وكان كل ظنى أن "الإخوان" من بعده اتبعوا الأسلوب "الميكافيللي" طمعاً فى نفوذ وسلطان لم يفكر به هو.
لكنى حين تابعت أحداث "الجماعة" الدرامية وجدت "حامد" يعرض لأسلوب منفعى وراء قرارات وتحركات "الجماعة" خاصة بعد أن بدأ نجمها فى العلو وحينما كان الشيخ على قيد الحياة لم يزل!..
لذا كنت فى حاجة للتركيز على ما إذا كان الكاتب يبث فى نفوسنا ذلك الإيحاء عن "الجماعة" زوراً- خاصة مع براعته كسيناريست محنك - أم تلك هى الحقيقة؟
دار فى ذهنى كل تاريخى المعلوماتى عن "الجماعة"، منذ سنوات دراستى الجامعية وتفاجُئنا كل فترة بتحول أحد الزملاء أو الزميلات لنهجهم، وتساؤلنا الأبدي، ما الفرق بينه وبين ما تلقيناه على أيدى آبائنا من تعاليم الدين؟!..
ماذا فى حديثهم يجعل كل من دون أعضاء "جماعتهم" ذا إسلام منتقص؟!..
وفى النهاية، نصطدم بسلفية كاذبة لا تمت للسلف الصالح بصلة.كان همى هو الأدلة التاريخية على صدق ظنى وعلى موقف "البنا" من تلك السياسة. وجدتنى أخرج من إطار متابعة مجرد عمل درامى كغيره، لمسألة الموضوعية فى العرض والتلقى حُسمت مع آخر مشاهد "حامد" البارعة بشكل يُخشى معه الخداع البديع.
ففى هذا المشهد- وفى نقطة تاريخية بعيدة عن الافتعال - تمنى "البنا"- على لسان البارع حقاً "إياد نصار"- لو بقى مدرساً للدين ليغرز فى قلوب عشرة أفراد فقط صلاح الدين!
جاء هذا المعنى فى حوار بين "البنا" وأحد أفراد جماعته، لأقف فانظر اطمئناناً على سلامة شعرة "معاوية"، هل انقطعت واستمال "حامد" للذاتية لهدف أو لآخر؟! .. الحق أنه لم يحدث، فالإيحاءات بمنفعية منهج "الجماعة" له دلالاته التاريخية العديدة..
كأن يؤثر الشيخ "البنا" الانسحاب من انتخابات البرلمان- الذى هو فعل سياسى بعيد عن أهداف "الجماعة" الدينية المعلنة- فى مقابل أن تُطلق يد منشآتها ورجالها أكثر وذلك فى عهد وزارة "النحاس" باشا.
أو أن يتم إنشاء التنظيم الخاص تحت إشراف "عبدالرحمن السندي" بدعوى أن المؤمن القوى أحب عند الله، ليتحول فيما بعد لمكتب للاغتيالات السرية لكل من هو ضد أحلام "الجماعة" - أو فلنقل أطماعها- والذى قال "البنا" نفسه حين سُؤل عنه أنه لم يأمر باغتيال قط!
وكان السائد والمتوارث فى الشارع المصري- وليس خيال "حامد" هنا- أن أحلام المرشد العام يجب أن تتُخذ كأوامر للتنظيم السري. فيتم اغتيال المستشار "الخازندار" بدعوى أنه قاضٍ ظالم، فى مقارنة لحكمه على سفاح "كارموز" بالإسكندرية بسبع سنوات، بينما حكم على أخوانيين نشطين بخمسة عشر للقبض عليهم وفى حيازتهم مواد متفجرة، متناسى من حكم- فيما ليس له به علم - أن للقانون ضوابط وأدلة وبراهين قد لا تُدلل على استحقاق السفاح لأكثر من تلك العقوبة - رغم معرفتنا بغير ذلك- وأن الأخوانيين حملوا ما يكفى لازهاق أرواح المئات.
وكأن تحكم المنفعة بعد اغتيال المستشار بأن يوجهوا تنظيمهم للتفجيرات الشهيرة فى عام 48 لأكثر من هدف، فتصاب عصافير عدة بـ "نبلة" الجهاد المزيف.
فمن جانب هو تغطية على الإثارة التى كادت تهز "الجماعة" لاغتيالهم رجل قضاء وتبرأ "البنا" من الأمر ونشوب الخلاف بينه وبين "السندي"، وأيضاً للقضاء على بعض المؤسسات اليهودية - المصرية - وليست الصهيونية- والتى كانت المنافس الأكبر لمؤسسات الأخوان.
لكن حين تربى حية رقطاء فى دفء أحضانك لا تأمن ردة فعلها، حين يصبح الاغتيال سياسة متبعة والتفجيرات جهاداً ونهجاً وتنفيذها يكون بمجرد إظهار الاستياء من جانب المرشد العام، فما كان يجب على المرشد العام أن يأمن على نفسه حتى!
يتم اغتيال "النقراشي" باشا- رئيس الحكومة- فيما بعد لحله "الجماعة" واعتقالهم جميعاً بعد تفجيرات بين المدنيين العزل دون تفريق، بل ويمتد جبروتهم بعدها للتخطيط لتفجير مكتب النائب العام شخصياً بكل أوراق القضية، الأمر الذى لم يحدث ووقعت بدلاً منه كارثة خارج مبنى المحكمة ليذهب ضحيتها العشرات من المدنيين، ليجد "البنا" نفسه وحيداً بعد أن خرجت الأمور عن سيطرته!
"حامد" ومع آخر مشاهده جعلنى أقول: ليس الجهاد هو الاغتيال. ليس الجهاد هو تفجير محلات "بنزايون"، "عدس"، "جاتينيو" بمن فيها من عاملين ومواطنين أبرياء لا ذنب لهم، حتى ولو كانت إداراتها من اليهود وحتى لو كانوا من ممولى الصهيونية. فالجهاد شرف لا ينل من أى أعزل أو امرأة أو طفل أو شيخ. ليس الجهاد تفجير فى حارة مصرية بسيطة- لا يمكن هنا أن تمول الصهيونية هى الأخرى- حتى ولو كانت حارة اليهود!
أؤمن الآن جداً أنه لا فرق بين الحملات "الأخوانية" على عقول البسطاء باسم الدين، وبين الحملات الصليبية على عقول فلاحين أوروبا فى القرون الوسطى للتستر على نهب كنوز الشرق باسم الصليب، وللأسف كانت براعة من "البنا" أن يوجه أنظارنا إلى "حبر" صلاح الدين على "أوراق" رسالاته.. وكفى.
أميرة سعيد عز الدين تكتب: وانفض مولد.. الجماعة
الجمعة، 17 سبتمبر 2010 03:34 م
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة