وائل السمرى يكتب: حسنى وشمة.. وفتنة الكوارث

الخميس، 16 سبتمبر 2010 03:35 م
وائل السمرى يكتب: حسنى وشمة.. وفتنة الكوارث وزير الثقافة فاروق حسنى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
للأسف، خضع معظم المشتغلين بالحقل الثقافى منذ بدايتهم، خاصة من أبناء جيلى، لأهواء الكثير من "الكبار" الذى أوهمونا بأنهم يحتكرون المعرفة ويحتكرون الرأى العام وأن ما يقولونه فحسب هو الصواب، وأنهم لا ينطقون عن الهوى، ورسم هؤلاء "الكبار" لأنفسهم صورة متعالية مترفعة تقارب صور الآلهة التى لا تعرف غير الحق، ولا تنطق إلا بفصل الخطاب، تآلفهم واتفاقهم وترابطهم جعل وجهات نظرهم تبدو كما لو كانت وحياً مقدساً، منزهة عن النقد، وعصية على الاختبار، وحدث أن اتفق هؤلاء على مهاجمة فاروق حسنى ليلاً ونهاراً، واصميه بأبشع التهم وملحقين به أقذع الصفات، ساعدهم فى هذا انتماء فاروق حسنى لنظام ديكتاتورى فاسد، وأن من يمتدحون الوزير معروفون بقربهم منه وأكلهم على موائده وتسبيحهم بحمده وبحمد النظام ليلاً ونهاراً، فكنا نحن "الصغار" نرى أولئك وهؤلاء، فنخجل أن نكون مع المصفقين الذين لا يرون إلا نصف الكوب الملآن، ونستسهل أن نكون مع الكبار الذين لا يعترفون إلا بنصف الكوب الفارغ، ولم يأت أحد "منصف" ليقول لنا أن بالكوب نصف فارغ ونصف ملآن، وهذا كل ما فى الأمر.

لم ننتظر كثيراً ليسقط المسبحون بحمد الوزير من أعيننا، لأنهم تلقائياً "ساقطون" وفاسدون، وملوثون، إلا من رحم ربى، لكن كان علينا أن ننتظر سنوات طويلة لتتهاوى أصنام مهاجمى الوزير "عمال على بطال" أمام أعيننا، ولينزلقوا من محل احترامنا، سنوات أعقبتها سنوات، رأينا فيها من كانوا يتشدقون بالشرف والعفاف والنزاهة المبنية على مهاجمتهم للوزير يسقطون واحدا تلو الآخر، هذا يسقط فى منصب حكومى رفيع، وهذا يسقط فى جائزة كبيرة، وهذا يسقط فى رئاسة تحرير إحدى إصدارت الوزارة، واكتشفنا أن أسباب الكثير من هجومهم الضارى هى بعض المصالح الشخصية التى يشتد هجومهم أو يخفت طبقاً لاستجابة الوزير لها أو امتناعه عنها، ومع اتساع قائمة "الساقطين" كان من "الهبل" أن نظل نصدق كل ما يقولونه، فببساطة ما كانوا يرونه عيبا فى الأمس صار الآن ميزة، وما كانوا يعتبرونه سبة فى جبين الوزير، أصبح الآن وساماً على صدره، ومع سقوط الأقنعة واحدا تلو الآخر، تكشفت بعض وجوه الحقيقة، فنصف الكوب فارغ بالفعل، لكن نصفه أيضا ملآن، ولا مانع من أن نقول إن وزارة الثقافة هى بحق "وزارة الكوارث"، لكن من الظلم ألا نعترف أنها أيضاً "وزارة المعجزات".

هذه هى الحقيقة التى أقتنع بها، والتى كنت تقريباُ أخفيها إلا فيما ندر، والغريب أن كثيراً ممن يهاجمون الوزير الآن بدافع غيرتهم الوطنية يعرفون هذه الحقيقة وأحدهم أسر بها لى وكأنه يقول سراً عسكرياً، وحينما قلت له لماذا لا تكتب هذا قال لى: بصراحة أخاف، وهذا الخوف ليس دليلاً على الجبن، لكنه يخشى أن يفقد مصداقية اكتسبها عند القارئ بمهاجمته الصادقة لرجال النظام ومنهم بالطبع فاروق حسنى، فاكتفى بمهاجمة الأخطاء إثاراً للسلامة، والتغاضى عن المميزات تجنباً للقيل والقال، لكن اقتناعى بأن الحق حق، هو ما جعلنى أنتقد الوزير وأهاجمه بشدة فى كثير من المواقف وأشهرها وقت ترشحه لليونسكو، وممارسته لبعض أشكال التطبيع الثقافى مع إسرائيل، وهذا أيضاً ما جعلنى أحييه على فكرة إنشاء المتحف المصرى الكبير وفتح باب التبرع للمصريين من أجل إتمامه، ولم تمنعنى تحيتى له من مهاجمته بعد ذلك مراراً، أقربها حينما كتبت عن سرقة لوحة زهرة الخشخاش بعد الواقعة بساعات، وكنت أول من قال إن محسن شعلان سيكون كبش فداء له، لكننى أخجل من نفسى إن لم أكتب شهادتى عن أحداث شاهدتها بعيني، ووقائع لمستها بنفسى، أثناء رحلتى الأخيرة للبنان، وحضورى لمهرجان بعلبك للموسيقى والفنون ومشاهدتى لحفلة الفنان نصير شمه بصحبة فنانى بيت العود العربى، ولعله من الطريف والمحرج فى ذات الوقت أن أكتب شهادتى هذه فى الوقت الذى يتعرض فيه الاثنين "حسنى وشمه" لهجوم حاد، الأول بسبب كوارث وزارته المتعددة، والثانى بسبب رئاسته لملتقى مصر الدولى الأول للعود، وما أثارته هذه "الرئاسة" من غيرة وأحقاد داخل الوسط الفنى فى مصر وخارجها.

فى لبنان لمست بنفسى أثر ما غرسته يد فاروق حسنى منذ ما يقرب من عشر سنوات، حينما تحمل هجوم الكثيرين الذى أعابوا عليه أنه استضاف الفنان العراقى "نصير شمة" فى مصر وفتح له إمكانيات الوزارة وبيوتها وأموالها ودعمها ليؤسس بيت العود العربى فى مصر، قائلين إن أى عازف مصرى أحق من شمه بهذه الرعاية، لكنه لم يعبأ بالمهاجمين واستمر فى مسعاه، وبعد عقد من الزمن أثمر بيت العود العربى عشرات من الفنانين المصريين المتميزين مثل حازم شاهين ومحمد أبو زكرى وكريم سامى وطارق عبد الله وغيرهم الكثير، والأهم من هذا من وجهة نظرى هم الفنانون العرب الذين تربوا فنيا فى مصر، بين أحضان بيت العود العربي، ثم أصبحوا مشاعل للفن والجمال فى بلادهم، السورى الليبى والإماراتى واللبنانى والعراقى والفلسطينى، رأيت هؤلاء كلهم فى لبنان، ينظرون إلى مصر نظرة حب وإعجاب وإجلال، وأحدهم قال لى إنه بدأ يشعر بالغربة فى بلده الأصلى إذا ما ظل فيها لأكثر من أسبوعين، معتبرا أن مصر هى بلده الحقيقي، وخلاف هذا كله فقد لاحظت أنهم جميعا يتحدثون باللهجة المصرية، فهى المشترك الثقافى الأكبر بينهم، وفيما بينهم يتبادلون النكات المصرية والأمثال المصرية، والمقولات المصرية، وبدا غريبا بالنسبة لى أن أرى هذا "الزخم" المصرى خارج مصر، فى فترة أصبح فيها الهجوم على بلدنا وتأثيرها عربياً، كما لو كان فرضاً على كل عربى، وهى ذات الفترة التى تشهد انسحاباً كبيراً للقيم المصرية فى نفوس العرب، وتنافساً شرساً من أصحاب رؤوس الأموال الخليجية للنيل من كل ما هو مصرى، وللحق فإنى لم أقدر على إخفاء سعادتى بأولاد نصير شمة، بعد أن صار هو ابن لمصر.

التاريخ يقول لنا إنه كلما كانت الدولة كبيرة ومتماسكة وقوية اتسع استيعابها للمتميزين من خارجها، وصبغتهم بصبغتها وصهرتهم فى أتونها، وهذا ما تميزت به مصر على مر العصور، فلا أحد ينكر مساهمة غير المصريين الكبيرة فى الفن المصري، من يعقوب صنوع لأبى خليل القبانى لجورج أبيض لعزيز عيد لبيرم التونسى، لبشارة وسليم تقلا لأسيا داغر لوردة لفايزة أحمد لصباح، كل هؤلاء الفنانين الذين أثروا الواقع الفنى والثقافى فى مصر وهم غير مصريين، ومع ذلك فبصماتهم التى شكلتها مصر محفورة فى وجداننا ومنسوبة إلينا شاء من شاء وأبى من أبى، وهذا الدور الثقافى الرائد يكاد يختفى الآن ولا نكاد نرى له أثراً إلا فى وزارة الثقافة التى احتضنت نصير شمة ليؤسس بيت العود فى مصر، ووليد عونى ليؤسس مدرسة الرقص الحديث، وهذا يدل على بعد نظر "فاروق حسنى" وحسن إدراكه لمكانة مصر الحقيقية والعمل على تدعيمها وإثرائها، وهذه إحدى محاسنه التى لا تغفر له بالطبع سيئاته، كما لا يجب أن تطغى كوارثه على معجزاته، ففى النهاية فاروق حسنى بشر يصيب ويخطئ، وخير لنا أن نقول للمصيب: أنت مصيب، وحينما يخطئ نقول له: أنت مخطئ، على أن نمثل دور "الشيطان الأخرس" خوفاً من الأوهام التى زرعها فينا "الكبار" وأثبتت لنا الأيام كذبها ودناءتها.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة