عبدالمنعم منيب

التاريخ والجغرافيا والفتنة الطائفية

الخميس، 16 سبتمبر 2010 07:37 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
عزز حوار الأنبا بيشوى يوم الأربعاء 15 سبتمبر مع الزميلة المصرى اليوم العديد من الهواجس بين العديد من المراقبين حول إمكانية اندلاع فتنة طائفية فى مصر, وكانت تطورات أحداث قضية كاميليا شحاتة منذ شهرين وما صحبها من ردود أفعال متنوعة قد أثارت مثل هذه المخاوف..

ولكن لا شك أن مصر عصية على الفتنة الطائفية بين المسلمين والأقباط منذ دخل الإسلام مصر, فتاريخ مصر وجغرافيتها يشهدان على وحدة وتجانس الشعب المصرى مع تنوع دياناته وعقائده, فالمسيحية لم تشهد حرية اعتقاد وعبادة إلا فى ظل الحكم الإسلامى الذى حررها من نير الاستعباد والاضطهاد الرومانى الذى كان يتدخل فى أدق شئون العقيدة لدى المسيحيين المصريين ويسعى لإكراههم وإرغامهم على الاعتقاد بمذهب الدولة البيزنطية فى مجال الاعتقاد المسيحى..

وعندما دخل عمرو بن العاص مصر كان قادة رجال الدين المسيحى المصريون هاربين من حكام مصر الرومان ومتخفين فى صحراء مصر خوفا من البطش والقمع الرومانى لهم, وما إن حكم المسلمون مصر حتى أطلقوا حريات المسيحيين الأمر الذى أدى إلى تحول أغلب المسيحيين المصريين إلى اعتناق الإسلام بعد عقود من الفتح الإسلامى لمصر..

ومن هنا صار أغلب المصريين مسلمين بسبب سماحة الإسلام واحترامه لغير المسلمين وعدله مع جميع مواطنيه. وبغض النظر عن اللون أو الجنس أو العرق أو الدين, لا يمكن لأحد أن يزعم أن أغلبية مواطنى مصر المسلمين هم من العرب, لأن الجيش العربى الذى فتح مصر لم يتجاوز عدده الأربعة آلاف مقاتل, وحتى لو حدثت هجرات عربية بعد ذلك فمستحيل أن تكون بعدد يفوق عدد سكان مصر بكل هذه النسبة لا سيما إذا قارناه بعدد العرب من سكان الجزيرة العربية اليوم الذى لا يصل مجموعهم لأربعين مليون بينما عدد سكان مصر الآن نحو 85 مليون نسمة.

فالقول بأن مسلمى مصر هم العرب الفاتحون وإنكار أن أغلب المصريين الذين كانوا مسيحيين قد دخلوا فى الإسلام كل هذا استكبار ومكابرة يجافيان التاريخ والجغرافيا والمنطق العلمى السليم.

ومن ناحية تاريخية أخرى، فإن مواطنى مصر المسيحيين ظلوا فى ترابط مع مسلميها حتى فى أحلك الظروف، فحتى أيام الحروب الصليبية لم يحاول أغلب مسيحيى مصر الانشقاق والتعاون مع الغزاة بل ظلوا يدعمون المجهود الحربى الإسلامى ضد الصليبيين, ونفس الشىء تكرر فى حملة لويس التاسع الصليبية على دمياط ثم فى العصر الحديث فى الحملة الفرنسية وبعدها أيام الاحتلال الإنجليزى فى كل هذه المراحل وقفت أغلبية المسيحيين المصريين مع مواطنيهم المسلمين يدعمون نضال المسلمين ضد الغزاة, هذا كله من حيث التاريخ, فتاريخ علاقة المسيحيين والمسلمين المصريين هو تاريخ من التعايش والتجانس الدائم ولا يشوش على ذلك القليل من التوترات التى افتعلها أو يفتعلها جهال أو متطرفو أى طرف، لأن ذلك من القليل النادر الذى لا ينبنى عليه حكم عام.

أما من حيث الجغرافيا فإن بيوت ومواطن بل وحتى مقابر المسلمين والمسيحيين المصريين متجاورة ومتداخلة، بحيث لو شاء أحد الأعداء الخارجيين أو المتطرفين الداخليين أن يقسم البلاد إلى دولة مسيحية وأخرى مسلمة فإنه لن يجد أى سبيل إلى ذلك، بسبب تداخل وترابط مواطن كلا الفريقين من المصريين, فلا يوجد فى مصر حى يخلو من مسلمين ومسيحيين معا, ولا توجد منطقة فى مصر أو محافظة يمكن القول بأنها منطقة أو محافظة مسيحية أو مسلمة بعكس دول أخرى حدث فيها فتن طائفية على خلفيات دينية أو عرقية وساعد على ذلك فيها التحيزات المناطقية.

وهكذا فإن تاريخ وجغرافية مصر يقفان ضد الفتنة الطائفية بين المصريين مسلمين ومسيحيين, وأى شخص يعمل على بذر بذور الفتنة الطائفية فهو يعمل ضد التاريخ والجغرافيا... ترى هل يمكن لأحد أن يغلب التاريخ والجغرافيا؟!






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة