الساخطون أبدا أو غير العارفين هم فقط من ينكرون على الحركة الثقافية المصرية ما تتميز به من رواج يتدفق من عيون الإبداع الأدبى، حيث تبزغ باطراد عشرات المواهب ذات الثقافة والجسارة والخيال لتضخ دماء جديدة وعفية، وتسهم مع السابقين والراسخين الذين لا يزالون - أطال الله فى أعمارهم – يمنحون الحضور الأدبى المصرى نماذج ملهمة مما تجود به قرائحهم.
على أن الحركة الأدبية رغم ذلك تشكو من تراجع واضح فى بقية أطراف المنظومة، فلا تقوم صناعة على رجال الأعمال فقط، ولا يتحقق انتصار بالجنود فقط، كما لا يمكن أن نحصل على المحاصيل الزراعية إذا لم يكن جاهزا غير الفلاحين. كذلك الحركة الأدبية تحتاج إلى نقاد وإعلام وقراء ومؤسسات خبيرة وجوائز وغير ذلك من العناصر، ذلك لأنه من المهم الإشارة إلى أن الكثيرين ومنهم بعض المسئولين يتصورون الأدب لعبة الفارغين، وخواطر غير المؤرقين بالهموم ولا تعنيهم الجماهير ولا الحياة، ولا يرى فيه البعض إلا وسيلة للتسلية وقضاء الوقت، ولعل هذا هو السر فى غياب الاهتمام اللائق خاصة من جانب كثير من رجال السلطة والمسئولين، ولهم نقول إن الآداب والفنون الرفيعة روح الحياة ومربية الأجيال وبناءة الأفكار والرؤى وصانعة المستقبل، ولم تبن أوروبا والدول المتقدمة شرقا وغربا مجدها بالمال فقط ولكنها بنته فى الأساس بخلاصة ما ترسب فى أعماق أهلها من عصارة الأدب ورحيق الفن .
ومن هنا نقول إن الحركة الأدبية التى كم خلقت شعوبا عاقلة وعالمة ومناضلة ومتطلعة فى مصر والعالم العربى بحاجة إلى تصحيح ورتق نتصورهما مطلوبين على النحو التالى :
1- اهتمام الإعلام بشتى صوره بالأدب، ويتطلب الأمر الاعتماد على كتاب
وصحفيين متخصصين لإعداد برامج وطرح تغطيات جادة وأمينة.. كم من
صحفيين يعملون فى الصفحات الثقافية نقلوا إليها من صفحات الحوادث أو
الإعلانات أو الفنون وصفحات الفنون لدينا عجيبة ولا علاقة لها بالفنون !!
ويتطلب الأمر أيضا تنظيم مسابقات عن الكتب لها جوائز جيدة مشجعة على
القراءة .
2- إحياء الحركة النقدية التى ماتت تماما أو كادت بتخصيص جوائز للنقاد وتوفير
منابر فى الصحف ومنحهم مكافآت، وإصدار مجلة نقدية أغلب ما تنشره فى
النقد التطبيقى لفرز الغث من السمين ومواجهة المتوهمين بالحقيقة بدلا من
ضياع أعمارهم فى كتابة عاجزة ألقى عليها البريق مدعون ومنتفعون وأصدقاء .
3- الكتاب فى مصر يعانى من مشكلات حقيقية فى التوزيع خاصة فى دور النشر
الحكومية، وهو بسبب هذه المشكلات لا يصل إلى القراء إلا بشكل قاصر
ومبتسر، كما أن كل المكتبات التى تبيع الكتب مكدسة فى القاهرة .
4- يجب أن تسهم الدور الخاصة فى القراءة بتخفيض سعر الكتاب، فقد تزايد بشكل
غريب ولا يهتم الكثير من هذه الدور إلا ببيعه فى الدول العربية ولا يعنيها القارئ
المصرى .
5- إنشاء مكتبات عامة كثيرة بسيطة، تكفى مجرد شقة جيدة التجهيز لتخدم سكان
ثلاثة شوارع فى المدن الكبرى . إذ لا تقوم المكتبات الضخمة بالدور المنوط بها
6- تشكيل لجنة لاختيار الأدب الرفيع للمدارس على ألا يكون أعضاؤها من موظفى
التربية والتعليم، لأن اختياراتهم رديئة ولا تمثل الأجيال المبدعة وخاصة
المعاصرة . ويجب أن تكون هناك قصص وروايات وأشعار جذابة وعالية القيمة
مضافة إلى الكتاب المدرسى .
7- تنظيم دورات تدريبية لمدرسى اللغة العربية لتعريفهم بجماليات الأدب وكيفية
تعاملهم معها .
8 – تحويل القصص والروايات إلى أعمال تليفزيونية وسينمائية .
9- تشجيع القراءة الحرة فى المدارس ومراكز الشباب .
10- تخفيض أسعار إعلانات الكتب فى كل وسائل الإعلام للتعريف بها ولفت النظر
إليها .
11- التحرك بقوة لترجمة الأدب المصرى إلى اللغات العالمية بعد اختيار أفضل ما
فيه .
12- تنقية الجوائز المصرية من المجاملات والعوامل الدخيلة غير الموضوعية .
13- تسمية الشوارع بأسماء الأدباء الكبار قديما وحديثا .
هذه بعض المقترحات التى يمكن أن يضاف إليها غيرها، ولكنها جميعا بحاجة إلى أصحاب قرار ذوى ضمائر وإلى خدّام مخلصين للحركة الثقافية .. فهل من منقذ أو معين يدرك أهمية ما ندعو إليه ؟!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة