من أغرب ما سمعت خلال إجازة العيد تلك الاتهامات التى أطلقها اللواء جميل السيد مدير الأمن العام اللبنانى السابق، وطالت خصومه السياسيين كافة، لكن الغريب هو اتهامه لمصر بالعمل ضمن مخطط مع إسرائيل والأردن والولايات المتحدة لنشر الفتنة المذهبية فى لبنان.
واتهم السيد مصر بالتحريض على الفتنة فى لبنان من خلال أحد الدبلوماسيين العاملين فى السفارة المصرية فى بيروت، ويدعى أحمد حلمى، واتهمه بعقد لقاءات مع مرجعيات سياسية وأمنية مسيحية وسنية وشيعية لهذا الغرض.
والحقيقة أن هذا الاتهام يبدو ساذجاً لعدة أسباب، أولها أن أحد مهام البعثة الدبلوماسية فى أى بلد هى عقد اجتماعات مع رموز المجتمع السياسى، تمثل هذه فرصة لتبادل الأراء والتشاور المستمر، واتيضاح بعض المواقف وتوضيح بعضها.
وما يقوم به الدبلوماسى أحمد حلمى فى السفارة المصرية فى بيروت تقوم به كافة السفارات العربية والأجنبية فى لبنان، بل إن بعض السفارات يكون دورها أكبر من ذلك، منها مثلاً أن السفير السعودى فى بيروت لعب دورا مهما خلال المعارك التى شهدتها بيروت بين حزب الله وحلفائه من جهة وتيار 14 آذار وحلفائه من جهة أخرى، كما أن سفراء السعودية ومصر وقطر وفرنسا وأمريكا وبريطانيا لعبوا جميعا دوراً نشطاً فى التفاوض بين الأطراف اللبنانية لتمهيد الأجواء لاجتماعات الدوحة التى أسفرت عن تشكيل الحكومة اللبنانية الحالية.
وربما لو اتهم اللواء جميل السيد بلداً آخر غير مصر بالعمل على إثارة الفتنة الطائفية فى لبنان، لربما كان صادقاً، ومعروف أن عدة دول عربية وأجنبية لها علاقات متداخلة فى لبنان، وبعضها يدعم طائفة على حساب أخرى بما فى ذلك بالمال والسلاح، وإيران خير شاهد على ذلك فهى الممول الرسمى لحزب الله.
وأعتقد أن مشكلة مصر فى العالم العربى ليس فى تدخلها فى الشئون الداخلية للدول العربية، وإنما التزامها مبدأ الحياد فى الخلافات الداخلية العربية، ومنذ عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر لم تتدخل مصر فى أى نزاع داخلى فى أى دولة عربية لترجيح فريق على الآخر.
حتى فى الأزمة الداخلية السودانية، والتى تعتبرها مصر ماسة بالأمن القومى المصرى ظلت مصر على مسافة واحدة من جميع الفرقاء السودانيين، بما فى ذلك الجبهة القومية الإسلامية التى تحكم السودان، والتى مول وخطط قادة منها لمحاولة اغتيال الرئيس حسنى مبارك فى أثيوبيا عام 1996.
وأعتقد أن تراجع الدور المصرى عربيا، وقلة تأثيرها راجع إلى هذا الحياد الذى يجعلها فى أحيان كثيرة خارج الصورة كما فى لبنان، الذى تنفرد فيه السعودية وسوريا بلعب دور أكبر، والتأثير على الداخل اللبنانى، لذلك أعتقد أن ما قاله السيد الذى يتمتع بعلاقات قوية مع دمشق، وكان أحد أقوى رجالها فى بيروت هو جزء من صدام أوسع لا علاقة له بالمذهبية فى لبنان بقدر ما يتعلق بالصراع بين قوى الاعتدال والممانعة فى المنطقة العربية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة