ربما لم يكن شيئا جيدا أن أكون الصحفى المصرى الوحيد – تقريبا- المتواجد فى قلب نيويورك وتحديدا داخل منطقة "الجراوند زيرو" أو منطقة الصفر فى يوم ذكرى الحادى عشر من سبتمبر.
أنت الآن ستتعجل الحكم وتؤكد فى قرارة نفسك أن عدم استحسانى لفكرة وجودى المنفرد سببه مضايقات تعرضت لها من الأمريكان المحتفلين بذكرى الحادى عشر من سبتمبر والمتظاهرين ضد بناء المسجد بسبب هويتى العربية والإسلامية.. عموما لا تتعجل عزيزى القارئ وكن على يقين أن هذا لم يحدث على الإطلاق ..
لم تعجبنى فكرة وجودى المنفرد لأننى وجدت نفسى مضطرا لأن أنقل لكم صورة من أرض الواقع تختلف تماما عما تناولته أغلب وسائل الإعلام المصرية والعربية خلال الأيام الثلاثة الماضية عن أجواء ذكرى 11 سبتمبر وردود الأفعال حول إنشاء مسجد فى منطقة انهيار البرجين أو على بعد شارع واحد منها، إن شئنا الدقة، تابعت بتركيز ما تناولته الصحف والمواقع والفضائيات العربية بخصوص الأمر ووجدت خطا عاما ينقل للناس فى بيوتها صورة واحدة تقول إن الأمريكان هبوا عن بكرة أبيهم لحرق القرآن وسب الإسلام والتظاهر ضد المسجد، خط إعلامى واحد يداعب مشاعر المسلمين والعرب ويصور لهم الإسلام وكأنه جثة ممدة ينهشها الأمريكان فى منطقة الجراوند زيرو.. خط إعلامى واحد رأيته متطرفا وغير أمين فى نقل الحديث، ورأيته عاطفيا وشعبيا، وبالإضافة إلى هذا وذاك رأيته جاهلا بحقيقة ما جرى فى منطقة الجرواند زيرو أو نيويورك عموما يوم ذكرى الحادى عشر من سبتمبر أو الأيام التى سبقتها.
راجعت شريط ذاكرتى وعدت للصور التى التقطها ودققت فيما كتبته من وقائع وسجلته من أحداث طوال ساعات تواجدى فى منطقة انهيار البرجين يوم السبت الماضى الذى وافق ذكرى الحادى عشر من سبتمبر ويوم الجمعة الذى وافق احتفال المسلمين بالعيد وصلاته ولم أجد لأغلب ما قرأته فى مواقع الصحف العربية والمصرية أصلا أو وجودا، حتى تلك الظواهر التى ضخمها الإعلام العربى مثل دعوة جونز لحرق القرآن وقيام القس المجهول ومعه 7 أفراد بحرق أجزاء من الصحف فى إحدى مناطق ولاية تكساس لم تجد أى رد فعل هنا فى نيويورك اللهم إلا الاستياء من هذه التصرفات ومن المحطات الأمريكية التى أعطت هذه القلة المجهولة شهرة بلا حساب أهمية بلا سبب..هكذا أخبرنى عمدة نيويورك عمدة نيويورك، "مايكل بلومبيرج" قال بوضوح إن مسألة حرق القرآن هى خطأ وسائل الإعلام التى ضخمت من دعوة قس غير معروف لم يهتم بها سوى عدد من الأشخاص لا يمكن عدهم على أصابع اليد، وبعد ساعات من كلام الرجل ظهر على شاشات التليفزيون ليؤكد على نفس الكلام ليفتح بكلماته جدلا كبيرا انشغلت به المحطات مثل فوكس والصحف مثل يو إس توداى حول مدى مسؤلية الإعلام الأمريكى عن إشعال أجواء ذكرى 11 سبتمبر بالتركيز على تلك الدعوات الصادرة من أشخاص وصفوهم بالجنون وحب الشهرة وعدم القدرة على وضع الأمور فى نصابها..
أعود إلى ذكرى الحادى عشر من سبتمبر التى لم تنقل لكم الصحف العربية والمصرية منها سوى أخبار حريق القرآن والمظاهرات ضد المسجد، صدقنى أنا لا أدافع عن الأمريكان إن قلت لك إن الإعلام فى الوطن العربى لم ينقل لك من الصورة ومن الأحداث إلى أجزاء أغلبها غير مكتمل ولا يمكن أن يمنحك فرصة تكوين صورة واضحة وطبيعية عما جرى فى نيويورك خلال ذكرى الحادى عشر من سبتمبر، فإذا كانت وسائل الإعلام العربية قد نقلت لكم تحذيرات من تواجد المسلمين فى المنطقة والمظاهرات التى ترفض بناء المسجد، فأنا شاهدت الجانب الآخر من الصورة وجلست بجوار الشيخ يوسف ذلك الكهل المسلم صاحب الأصول الأفريقية الذى افترش الأرض فى منطقة "الجرواند زيرو" وفتح مصحفه وأخذ يتلو منه ما تيسر من آيات الذكر الحكيم وقرأ نصف القرآن تقريبا من الصباح حتى وقت المغرب رافعا بجواره لافتة تطلب من لديه أى استفسار أو سؤال عن القرآن أن يسأله بلا تردد مع وعد بأن يجيب بكل صدق، ومثلما رأيت الشيخ اليوسف رأيت أصواتا وهتافات صادرة من أمريكان مسلمين وغير مسلمين تؤيد إقامة المسجد وتعتبره حقا مشروعا ومن بينهم بعض أهالى ضحايا الحادى عشر من سبتمبر والذين أسسوا رابطة اسمها "عائلات ضحايا 11سبتمبر من أجل مستقبل أكثر سلاما"، وقبل أن أرى هذا وذاك كنت قد سمعت عمدة نيويورك وأغلب أعضاء البلدية وهم يعودون للتأكيد بكل شجاعة على تأييدهم لإقامة المسجد لأن نيويورك لن تفتخر يوما ما أنها منعت أحد من العبادة أيا كان دينه..كل هذا وأكثر منه كان موجودا عزيزى القارئ ولكن الصحف العربية والمصرية اكتفت بحدوتة القس جونز والقس فيلبس والمتطرف الهولندى فيلدرز متجاهلين أى إشارة للمجهود الكبير الذى يبذله مسلمو أمريكا للقضاء على هذه الظواهر وتحويلها إلى مصلحة الإسلام – يمكنك العودة إلى الرسالة السابقة لتكتشف بنفسك حجم الجهود التى يبذلها مسلمو أمريكا دون أى مساعدة عربية وفى ظل تجاهل إعلامى كامل.
الشيخ فيصل عبدالرؤوف المشرف على مشروع إنشاء المسجد بالقرب من موقع هجمات 11 سبتمبر 2001 لم ينف هذا التجاهل ولم ينف ما يثيره من مشاعر غضب فى نفوس الجالية الإسلامية بنيويورك التى تحتاج للدعم والمساندة وقبل كل ذلك تحتاج لأن تشعر بقلوب المسلمين معها، واستنكر الرجل كل هذه الضجة التى افتعلها الإعلام العربى بخصوص القس جونز وغيرها وقال إن التركيز على مثل تلك الأحداث المعتادة فى المجتمع الأمريكى والتى لن تنتهى أبدا يشتت الانتباه عن القضية الأساسية وهى قضية الصراع بين التطرف والاعتدال هنا فى نيويورك والولايات المتحدة عموما، مشيرا إلى ضرورة تركيز الجهود فى تعريف المجتمع الأمريكى بطبيعة وسماحة الإسلام والتأكيد على أن التطرف ينبغى محاربته بالتعاون بين الأديان المختلفة، كلام الشيخ فيصل انتهى وربما لا يعرف الكثيرون أن المنزل الذى تم تخصيص أرضه لكى تصبح مكان المسجد تبعد عن منطقة انهيار البرجين بشارع واحد فقط وهى ملك لأمريكى من أصول مصرية اسمه شريف، وكما ستشاهد فى الصورة المرفقة وجود عدد من الملصقات على العقارات القريبة من الموقع المقترح للمسجد تطرح سؤالين، أولهما: أوافق على وجود المسجد فى المنطقة لأن.. والثانى: لا أوافق على بناء المسجد هنا لأن..
ومن الإجابات الموجودة على الملصقات فى المناطق المختلفة يمكنك أن تلمح حالة تعاطف واضحة، بالإضافة إلى حالة جهل واضحة بالإسلام يمكنك أن تستخلصها من الإجابات الموجودة على الملصق الآخر الذى يبرر فيه الأمريكان رفضهم للمسجد..
أترك مسألة المسجد والمسلمين والمظاهرات وأعود إلى الجانب المهم الذى سيطر على احتفالات ذكرى الحادى عشر من سبتمبر والذى ستعرف منه أن ما سمعته وقرأته فى الساعات الماضية عن ذكرى انهيار البرجين لم يكن الصورة الكاملة، لأن الجزء الخاص بالمسجد والإسلام والمظاهرات انتهى سريعا فى الصباح وبقيت فلول قليلة من الطرفين تناور بشعار هنا وهتاف سريع من هناك، أما الجانب الذى سيطر على الاحتفالات وبقى من الصباح إلى المساء فقد كان متعلقا بالخرافات والتعاليم الدينية.
خرافات نهاية العالم والخرفات الدينية مثل تجلى المسيح ورسالة السماء التى تجلت فى هيئة الصليب الذى سقط من البرجين والكنيسة المقدسة التى لم يمسسها غبار سقوط البرجين والذى غطى نصف نيويورك ولم يقترب من الكنيسة المقابلة له تماما، والشباب الذين حولوا أحداث الحادى عشر من سبتمبر إلى أغانى دينية تذكر أهل امريكا بالدين والكنيسة وجحيم الانحلال ..كل هذا وأكثر منه شكل الجانب الأكبر من احتفالات الأمريكان بذكرى الحادى عشر من سبتمبر فكما ستشاهدون فى الصور المفرقة جماعات كنسية ترتدى أزياء صفراء موحدة تدعو للمسيح وتدعو الأمريكان للعودة إلى الكنيسة وتذكرهم بأحداث الحادى عشر من سبتمبر وآخرون يقودهم رجل فى الخمسينيات من عمره يوزوعون بعض الرسائل التى تتحدث عن نهاية العالم القريبة فى 21 مايو 2011 ويشرحون للناس ولزوار منطقة البرجين كيفية الاستعداد للنهاية، وآخرون حولوا أشهر الصور الخاصة بانهيار البرجين إلى ألبوم للذكرى سعر الواحد 5 دولارات، وآخرون ارتدوا زيا فضائيا وقالوا إن هذا انتقام كائنات فضائية من أهل الأرض وتبشير بغزو قادم يجب الاستعداد له، أما أغرب الأشياء فكانت قطعة الحديد التى سقطت من البرج الثانى وتشبه الصليب وزرعها الأمريكان بجوار أحد الأماكن القريبة من منطقة انهيار البرجين واعتبروها مزارا دينيا ورسالة سماوية بضرورة العودة إلى الدين وأسفلها تجد الكثيرين جالسين للصلاة والكثير من الشموع والورود.
محمد الدسوقى رشدى يكتب من نيويورك: الخرافات الدينية والغزو الفضائى سيطرا على احتفالات الأمريكان بذكرى11 سبتمبر والشيخ يوسف قرأ نصف القرآن بجوار أطلال البرجين
الإثنين، 13 سبتمبر 2010 12:50 م
الخرافات الدينية تسيطر على احتفالات الأمريكان بذكرى11 سبتمبر
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة