فى أمريكا تيرى جونز يهدد بحرق المصحف.. وفى ألمانيا منذ أيام المستشارة الألمانية ميركل كرمت رسام الكاريكاتير الدنماركى صاحب الرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم ... وفى أماكن وأوقات أخرى يكتب من يكتب ويفعل من يفعل كل ما يريدون عن الإسلام وعن العرب وتاريخهم وعاداتهم وأخلاقهم الإرهابية .... حسبما يتراءى لهم.
إنها الحرية كما يراها الغرب، ونحن الذين لا يفهمون الأمور أ ويقدرونها بطريقة صحيحة، فنحن وفى نظرهم نكبت الحريات ونمنع التعبير ونمنع التغيير، هكذا نحن فى نظرهم .... وهم فى نظرنا متطاولون لا يعيرون ديناً ولا أخلاقاً اعتباراً ولا أهمية، فمن لا حياء له لا دين له، إلا أننا نناقض أنفسنا تجاههم فى كثير ... فنحن بهم معجبون ... لا فقط بطريقتهم فى الحياة وإنما بكل ما يتعلق بهم .. ملابسهم، سياراتهم، موسيقاهم، سهراتهم... بل ه ومثار فخر أن نذهب لبلدانهم .. وحلم شبابنا أن يعيشوا على أرضهم فى مجتمعاتهم.....
وبعد كل ذلك نقول إنهم أجانب لا دين لهم....هذه هى المشكلة !! أننا مفتونون بهم وبطريقة حياتهم .. لأننا لا نملك بل لا نحلم أن تقترب أنماط حياتنا منهم بدءاً من سلوك الأفراد وهم يسيرون فى الشارع.. وانتهاءً بالممارسات السياسية الحرة والانتخابات النزيهة التى يختار فيها الأفراد ممثليهم عن طريق صندوق الانتخابات أ وعبر الإيميل.
الحقيقة أن الأقوى يفرض رأيه وحكمه دائماً ... وهذا ه وقانون الحياة منذ بدء الخليقة، فى البداية كان القانون يخص الأفراد وبعدها المجموعات والقبائل، ومع تطور الحياة المدنية صارت فكرة القوة على مستوى الدول والمجتمعات والحضارات... بطريقة منظمة أحياناً وغوغائية أحياناً أخرى، لكن تحت ستار منظم كاحتلال العراق وأفغانستان وغيرها، والبقية تأتي...
إلا أن عناصر القوة قد تغيرت، وصار المجتمع المدنى ومفاهيمه الحديثة من حقوق الأفراد والإنسان واحترام حق الفرد بذاته وحق المجتمع ككل...كل ذلك أصبح من عوامل قوة المجتمعات، غير أن الأمر فى بلداننا جد مختلف، ففيما الخلاف معهم ه وحول سقف الحريات.. فالخلاف عندنا على الحد الأدنى لها.. وفيما التفكير عندهم فى مدى حدود البحث العلمى والطب والفضاء،فعلينا أن نفكر فى البنية الأساسية وانقطاع الكهرباء ومياه الشرب الملوثة.
أما حديثنا عن الفساد بأنه موجود فى كل مكان فى العالم وأننا جزء منه، فأى عالم الذى عنه نتحدث؟ ه وعالم بالأكيد مثل عالمنا.. لكن عالمهم له قواعد مختلفة تحكمه، وحتى ننجز مثل ما أنجزوه فعلينا أن نغير كثيراً من المفاهيم لدينا وألا نرتضى الواقع وإن كان مؤلماً.
إن الفارق الحضارى بيننا وبينهم كبير، وأبسط الأمثلة ه وفى سلوك الناس فى الشارع وسير المرور، لا أقصد الكثافة ولكن أقصد السلوك المروري.. فل وأن تقاطعاً لا يوجد به عسكرى مرور ولا الإشارة الجديدة المزودة بكاميرا.. لما التزم أحد ولحدث اختناق عند كل تقاطع يعتمد السير فيه فقط على سلوك الناس، لأنه ليس هناك نظام متعارف عليه، والأخلاقيات التى طالما تحدثنا عن وجودها لدى المصريين، كل ذلك أصبح ينتمى للأفعال الماضية.
وما أعنيه من كل هذه الاستدلالات والمقارنات ه ومحاولة لفهم لماذا تداعت الأمم علينا... فالأقوى دائما أقدر، والقوة لم تصر بالغلبة لكن بالعلم والسلوك والفهم، فإذا أردنا كرامتنا ومكانتنا فى الأمم فليس عبر الشجب والتنديد والتهديد، بل عن طريق العلم واحترام قيمة الإنسان والتفكير فى الآخرين لا فى الذات فقط... وحتى تتحسن أخلاقيات الناس والحالة المرورية ويقل التلوث، حينها ينظر إلينا الآخرون بعين الاعتبار لأننا سنكون قد ملكنا أدوات وأسلحة غير الشجب والتنديد، وحينها سيخشون جراء تهديدهم بحرق آيات الله.. أ وتكريم من أساء إلى الرسالات السماوية، علينا أولاً بأنفسنا... وحتى ذلك الحين فلنعلم أن للمصحف رباً يحميه، ما دمنا لا نملك بعد القدرة الحقيقية على حمايته.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة