سأطرح هنا رأيى بصفتى مثقفًا ممن اتهمهم الوزير باتهامات يحاسب عليها القانون، ولا يدل اتهام حسنى لمائة مثقف مصرى بأنهم تجار ثقافة إلا على المستوى المتدنى الذى وصلت إليه لغة موظف ثقافى كبير فى علاقته بالمثقفين، وهو اتهام يثير السخرية، والشفقة فى آن. ذلك لأن المثقفين المصريين يعرفون جيدًا من هم تجار الثقافة: تجار الإنشاءات والمبانى الجديدة التابعة للوزير، وتجار الآثار، والمخطوطات، وأصحاب الحرائق، ومن تسببوا فى قتل النقاد والمسرحيين، ومقترفى الاختلاسات، والسرقات، والسلوكات المشينة، كما يعرفون الكثير عن طبقة التكنوقراط الثقافى فى وزارته، كيف كانوا؟ وأين أصبحوا؟ على المستويين المادى والرمزى! المثقفون يعرفون من استفاد على مدى ربع قرن ممن باعوا الكلام، ولعبوا بقضايا مصيرية كقضية التطبيع من أجل مناصب زائلة، وتاجروا بلوحاتهم وصبغاتهم لمقاولين، ورجال أعمال، بمئات الآلاف، وما زالوا حتى الآن -لسوء حظ المثقفين- مسيطرين على أهم مقدرات مصر الثقافية.
لقد بدأ الوزير فاروق حسنى تصريحه فى إحدى الجرائد المصرية اليومية بخطاب نفى وإقصاء، معرّفا المثقف بأنه الموظف فى هيئاته، ونحن لا ننتظر منه ما هو أكثر من هذا الفهم على أية حال. فقد جاء موظفًا إلى وزارة الثقافة برتبة وزير فجأة، ومن خارج الجماعة الثقافية، والسؤال الذى يلح هنا هو: إلى من يتوجه وزير الثقافة بهذا التصريح المغلوط الذى نفى فيه نخبًا من أهم نخب المثقفين فى المجتمع المصرى، واتهمهم بأنهم "لا ينتجون ثقافة"! معتقدًا أن نفى صفة الثقافة عنهم سيبرر فشله التاريخى الذى كان المثقفون شهودًا عليه على مدى يقترب من ربع قرن، سواءً على مستوى تردى أحوال الكتاب والمبدعين المادية والثقافية، أو على مستوى غياب استراتيجية ثقافية لها سياسات واضحة، أو على مستوى أداء المؤسسات الواهن الذى أفقد المشروع الثقافى أى أثر اجتماعى، فضلاً عن عجز الوزير، وموظفيه، عن حماية مكتسباتنا المادية والتاريخية، وكأن شعار "مهرجان لكل مواطن" هو السبيل الوحيد للتنوير!
لقد نفى وزيرنا المبجل عن مائة من كبار مثقفى مصر انتماءهم إلى الثقافة، معللاً ذلك بأنه لا يعرف الموقعين على البيان، وهذا ما دفعه إلى السؤال، مورطًا نقابة مستقلة كاتحاد الكتاب المصرى، لإعطاء بيانات عن الموقعين، وهو سلوك شديد الخطورة، لو استجاب له رئيس الاتحاد، ويضع النقابة فى مشكلات لا نهاية لها.
موظف الثقافة الكبير لا يعرف المثقفين، ومنهم من أعضاء اتحاد الكتاب نقاد كبار مثل: د.أمينة رشيد، ود.عبد الحكيم راضى، ود.ثناء أنس الوجود، ود.كمال عيد، ود.حامد أبو أحمد، ود.صلاح الراوى، ود.صلاح السروى، ود.أحمد الخميسى، وصافى ناز كاظم، وشعراء قديرون مثل: ماجد يوسف وأحمد زرزور وفريد أبو سعدة ود.على منصور، وحسين القباحى وفتحى عبد السميع، وعاطف عبد العزيز، وروائيون كبار مثل: صنع الله إبراهيم، ود.علاء الأسوانى، وسعد القرش، وسلوى بكر، وفوزية مهران، وفتحى إمبابى، وفنانون مثل عز الدين نجيب، ومفكرون لهم حضورهم الرفيع فى مشهدنا الثقافى مثل: شوقى جلال، ود.الطاهر مكى، ود.محمد حافظ دياب، ود. حسام عيسى، ود.مصطفى عبد الغنى...إلخ.
وأقول بأسلوب لا يهبط إلى مستوى تصريحه، إن جهله بمنجز هؤلاء، لا يكشف سرّ هذه الشجاعة التى نفى بها صفة المثقف عن نخبة من السياسيين، والإعلاميين، والناشرين، والصحفيين المصريين؟ ومنهم، د.حسن نافعة، وكمال أبو عيطة، وأبو العلا ماضى، وأمين إسكندر، وأحمد بهاء شعبان، ود.عبد المنعم أبو الفتوح، وأعضاء مجلس شعب مثل سعد عبود وحمدين الصباحى، فضلاً عن مستشارين وإعلاميين ومؤرخين مثل د.عاصم الدسوقى والمستشار محمود الخضيري، والإعلامى حمدى قنديل، وناشرين مثل على عبد الحميد وسيد الغضبان، وصحفيين لهم أقلامهم الحرة القديرة مثل د.عمار على حسن، ود.عمرو الشوبكي، وكارم يحيى، وغيرهم، أم أنه العماء الذى لا يريه شيئا إلا من خلال رغبته فى البقاء، ورغبات موظفيه، وأعوانه!
وسأفترض جدلاً أن الموقعين على البيان كما ادعى الوزير هم خمسة أعضاء من أعضاء اتحاد الكتاب فقط، فهل نفهم منه أن أى فنان أو مبدع فى خارج اتحاد الكتاب لا يصح فى نظره أن يكون مثقفًا؟ وماذا عن الوزير نفسه؟، هل نسى أنه ليس عضوًا فى الاتحاد، ومن المحال أن يكون؟ ثم ما علاقة كل هذا بمضمون البيان، وما جاء فيه؟ بعد أن أوضح أن سياسات الوزير من البداية كانت خالية من أية توجهات لها قيمة فى حركة التغير الاجتماعى فى مصر! إن أقل ما يقال عن تصريح الوزير إنه تصريح متسرع، يثير الضحك، والشفقة فى آن، فلم يكن الداعون إلى البيان فى حاجة -وقد وقع عليه من وقع- إلى عدد أكبر من هؤلاء المائة، بعد أن اكتفوا بتمثيل كل فئات المثقفين على اختلاف الأجيال والتيارات، من خلال مفهوم واسع للمثقف، يجاوز مفهوم الوزير الضيق الدال على سوء نية أو ثقافة..
وفى النهاية، لا يمكن أن يتجاهل عاقل كلّ هذا العدد من أصوات النقد المتصل والجارح التى تهاجم وزير الثقافة وموظفيه –فى العقد الأخير بخاصة– وذلك من مثقفين لا مصلحة لهم غير التعبير عن حقّ مصر فى مستقبل ثقافى أفضل، ومن أصوات صادقة وشريفة، مازالت تعبر عن احتياج مجتمعنا الى حركة ثقافيّة حقيقية، لها أثرها الاجتماعى، ثقافة قادرة على مواجهة الفساد، والمحافظة على مقدرات مصر، وثرواتها..
إن التسيبب الإدارى بدء منه، وهو المسئول الأول عن متابعة ما يجرى فى وزارته من إهمال وفساد، وانتهاء ببطانته وأعوانه، واضح للعيان على نحو فادح، حتى لو قدم الوزير كل يوم كبش فداء جديدا، ويعلم الجميع عدد المتاحف التى أغلقها الوزير حتى الآن؟ وكأنه استيقظ من نومه فجأة، ليكتشف أن ثروتنا القومية فى الآثار، وفى الفن التشكيلى عرضة للخطر! لقد أصبحت الوزارة فى عهد فاروق حسنى، ومن خلال السياسات الثقافية الخاطئة لبطانته وموظفيه، أصلح مكان تنفق عليه الحكومة لتفريخ المعارضة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة