"اللهم أنا لا نسألك هلاك التوك توك ولكن نسألك اللطف منه"، دعاء أردده بين الحين والآخر كلما وجدت نفسى محشورا بين حفنة "تكاتك" متداخلة، ومتسابقة، ومتشنجة ومسببة الأذى لمن يقترب منها، وأعتقد أن الآلاف بل الملايين فى مصر وربما فى الهند مسقط رأس هذا الحمار الحديدى الذى يسمونه هناك بـ "الركشة" يدعون الدعاء ذاته أو شبيها له بسبب تعرضهم للأضرار المادية والمعنوية.
لا يظنن أحد أننى شخص أرستقراطى، ولذلك فأنا حانق ومتحامل على هذه "التكاتك" وسيلة مواصلات الفقراء، فمن يتحدث عن معاناة من هذا النوع حتما ولابد أن يكون مقيما فى أحياء شعبية، وحتما ولابد أن أسرتى وأقربائى وجيرانى استخدموا هذه الوسيلة، لكننى حانق عليها بسبب ما أصابنى منها فى أيام معدودة، ويزداد مقتى لها كلما نظرت إلى سيارتى، وما أصابها من تلفيات من الأمام ومن الخلف وعن يمين ويسار، وما أشاهده فى سيارات الآخرين أيضا، وأردد بلا شعور "منك لله يامن أتيت بهذا التوك توك اللعين إلى مصر"، فى هذه الأيام القليلة تعرضت سيارتى لعدة كدمات ذهبت بجمالها، وقد كانت قبل بضعة شهور زرقاء فاقع لونها تسر الناظرين فإذا بها الآن مشوهة لا تسر عدوا ولا حبيبا.
المسألة ليست شخصية كما قد يبدو للبعض من سياق العرض، لكنها مشكلة عامة يعانى منها الكثيرون، وإن كنت واثقا تمام الثقة أن الملايين يستفيدون من هذه الوسيلة سواء كانوا مالكين أو سائقين أو راكبين، وأثق تمام الثقة أنها وفرت فعلا خدمة رخيصة التكلفة للبسطاء ومحدودى الدخل، ولذلك لم أدع الله أن يزيلها من الوجود، بل دعوته اللطف بنا ما تسببه لنا من أضرار.
حين يصدمك هذا الوباء من أمام أو خلف أو يصدم سيارتك أو أحد أبناءك لا تظنن أنك ستستطيع أن تأخذ حقك أو بعضا منه، فأنت الغلطان "من ساسك لراسك" وإذا لم تعترف بغلطك وتعتذر فربما لا تصل إلى بيتك إلا محمولا على الأكتاف أو فى سيارة إسعاف.
هل كانت مصر ناقصة عشوائية حتى يستوردوا لنا هذا الشىء القبيح ليزيد أم الدنيا قبحا؟ هل كان هناك متسع فى الشوارع حتى نملأه بهذا الحديد العشوائى؟ أم أن الأمر فيه "إن" كما يقول الناس و"إن" هذه يعرفها الناس لكن لا يستطيع أحد أن يكتبها فهى من اللغة المنطوقة لا المكتوبة، لأن من يكتبها سيعرض نفسه لتحقيقات تنتهى به فى أحد سجون مصر المحروسة حيث لا يمتلك دليلا على ما يقول.
لعلى لا أكون مبالغا إذا قلت إن هذه التكاتك هى التعبير الأبرز الآن على غياب الدولة فى الشارع، فسائقوها هم فى الأغلب من الأحداث الذين لم يبلغوا الحلم ولم يجر عليهم القلم ولا القانون، بالله عليكم كيف لصبى لا تكاد قدماه تصلان إلى "دواسة البنزين" أن يقود هذه المركبة ويحمل معه نفوسا يعرضها للهلاك؟ وبالله عليكم ما العمل حين يصدمك هذا الصبى من الأمام أو الخلف أو الجنب، وقد يسبب لك أو لسيارتك عاهة دائمة؟ أنا شخصيا أجد نفسى قد غضبت كثيرا، وأحيانا يرتفع صوتى لكنى لا أملك سوى أن أقول له: مع السلامة ربنا يسهل لك.
المشكلة ليست فى أصحاب هذه التكاتك أو سائقيها، بل المشكلة فيمن أدخل هذه الوسيلة القبيحة إلى مصر، دون أن يخضعها للقانون، ورغم أن هناك محاولات جرت من قبل لإخضاعها للقانون لكنها فشلت، ورغم أن بعض المحافظات مثل الجيزة قررت البدء فى إجراءات ترخيص "التوك توك" منذ شهر مايو الماضى، وحدد المحافظ مواصفات معينة للشكل، وطلب وضع ملصق يتضمن خط السير، وبادج المحافظة والتعريفة المقررة وهى 50 قرشا للفرد، وحظر وضع ملصقات أو تعليقات أو عبارات داخل أو خارج المركبة، وحظر استخدام مكبرات الصوت أو آلات التنبيه المزعجة أو الكاسيت، إلا أن أصحاب هذه التكاتك لم يعيروه اهتماما، وهذا دليل جديد على ترهل الدولة وشيخوختها حتى لم تعد قادرة على فرض نظام مرورى بسيط على هؤلاء السائقين الذين يتعاملون وكأن الشارع ملك لهم هم فقط، وأن ما يفيض منهم يتصدقون به على السيارات والمارة الآخرين، ويصدرون من الأصوات ما يوهم المارة أن قطار أو سيارة نقل كبيرة بصدد المرور بينما هو مجرد تكتك مهين ولا يكاد يبين.
نتمنى من وزارة الداخلية والأجهزة المحلية تنظيم عمل هذه التكاتك والحزم فى تطبيق القانون عليهم، ومراقبة عملهم فى الأحياء الشعبية منعا لوقوع المزيد من الجرائم، وحماية للركاب وللسائقين، وإذا لم يفعلون فإننا سندعو الله أن يسلط عليهم هذه التكاتك حتى تدخل عليهم بيوتهم، وتؤرق عيشتهم فيشعروا بمعاناة غيرهم ويتحركوا للدفاع عن أنفسهم وعن غيرهم.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة