فى سنة 2001 كنت أعيش فى مدينة "أرلينجتون" الجميلة التى تتوسط ولاية "فرجينيا" الأمريكية، وفى نفس العمارة التى كنت أسكن فيها كان يسكن صديقى الشاعر المغربى الحرى برشيد، وكان متزوجا من سيدة أمريكية من أصل أسبانى ويمتلك سيارة يابانية فاخرة كان كثيرا ما يصحبنى إلى مدينة "نيويورك" التى تبعد 220 كيلو متراً لنقضى يوما كاملا من أول النهار إلى آخر الليل فى نيويورك الرهيبة، كما كان يسميها صديقى الشاعر المغربى الحرى برشيد الذى كان قد اتفق معى على الذهاب إليها بعد يومين، لكنا لم نذهب إليها بعد ذلك مطلقا إلا لمغادرة أمريكا نهائيا من مطار ( J.F.K)، وذلك بعد هجمات يوم 11 سبتمبر التى هاجمت نيويورك وواشنطن، وأطلق عليها بعد ذلك اسم هجمات أيلول/ سبتمبر، لكن صديقى الشاعر المغربى كان يسميها هجمات "شتنبر" وهو اسم شهر "سبتمبر" كما ينطقه أهل المغرب ويسمى "أيلول" فى بلاد الشام، ولهذا الشهر تداعيات مرة عند الأمريكان وتداعيات أكثر مرارة عند العرب وأكثر وأشد مرارة عند الفلسطينيين.
فبعد "شتنبر" أمريكا لم يعد العالم هو نفس العالم قبله، فقد انطلقت حرب "بوش" الكريه على العراق التى أطلق عليها اسما غوغائيا هو "الحرب على الإرهاب"، فماذا جنت أمريكا من هذه "الحرب على الإرهاب"؟
مازال اسم "القاعدة" يتصدر أخبار التفجيرات فى العالم كله وتحديدا العالم الإسلامى من أفغانستان وباكستان إلى الصومال واليمن، لم تنته "القاعدة" ولم تنته تفجيرات العراق، ولم يتم القضاء على "طالبان" التى ازدادت قوة وعنفا، وبدأ العالم يتأكد أنها حرب أمريكية على الإسلام، وأن العسكرية الأمريكية تقود حرب الغرب المسيحى على الإسلام تحت ستار الحرب على "القاعدة" و"طالبان" و"الجهاد الإسلامى" المتحالف مع "القاعدة"، وكما رأى جاد بعلبكى فإنه من وجهة نظر معظم الخبراء أن الحرب الأمريكية ليست سوى إحدى المؤامرات السياسية التى تقودها قوة أو قوى غامضة لأغراض خاصة، وأحداث 11 أيلول (شتنبر/سبتمبر) مثلت أبرز هذه النظريات والتى تبنتها جمعيات مناهضة للحرب من مختلف الجنسيات والأديان على أساس أنها أحداث غامضة لأغراض مكشوفة.
وباختصار يمكن القول إنه بعد إعلان الحرب على الإرهاب واحتلال كل من أفغانستان والعراق بحجة نشر الديمقراطية والقضاء على الإرهاب، يرى الكثير من المحللين أن هذه الحرب تتجه نحو الفشل والخسارة الفادحة للدول المساهمة فيها، فبعد مضى أكثر من سبع سنوات على حرب العراق لم يتحقق التقدم والازدهار الذى وعدت به الولايات المتحدة الشعب العراقى. ورغم تحسن الوضع الأمنى نسبيا بعد خطة فرض القانون، فإن الكثيرين يرون أن الوضع هو نفسه وبدرجة السوء نفسها، أما أفغانستان فبعد ثمانى سنين على احتلالها نهضت "طالبان" بقوة وبشدة وسيطرت على أجزاء واسعة من البلاد، وأصبحت هجماتها قوية وغير متوقعة.
إذا كانت هذه هى تداعيات "شتنبر/أيلول" أمريكا الأسود، فإن أيلول العرب أكثر سوادا، فقد انطلقت أحداث شهر أيلول عام 70 حيث تحرك الجيش الأردنى بناء على تعليمات من جلالة الملك حسين لوضع نهاية لوجود المنظمات الفلسطينية، حيث أشار عليه مستشاروه بضرورة توجيه ضربة استئصاليه ضخمة وبقوات متفوقة إلى كل المنظمات الفلسطينية داخل المدن الأردنية، وكان جلالة الملك حسين يرغب بتوجيه ضربه عسكرية محدودة تحصر النشاط العسكرى للفصائل داخل المخيمات، وتعيد هيبة الدولة، إلا أن المستشارين أشاروا إلى توجيه الضربة الاستئصالية مستخدمة التفوق العسكرى لديها، وكان يقود هذا الرأى المشير حابس المجالى ومدير المخابرات الأردنية فى ذلك الوقت نذير رشيد، وأعلن فى أيلول سنة 1970 تشكيل حكومة عسكرية برئاسة محمود داوود وإقالة مشهور الحديثة عن قيادة الجيش وتعيين المشير حابس المجالى قائداً للجيش وحاكماً عسكرياً عاماً، حيث أوكل إلى هذه الحكومة أمر تصفية وجود الفصائل الفلسطينية العسكرى داخل المدن الأردنية، وبدأت الدبابات والمجنزرات الأردنية بالقصف المدفعى العنيف على مواقع المنظمات الفلسطينية، وبدأت المجنزرات والسكوتات باقتحام مخيم الوحدات ومخيم البقعة ومخيم سوف ومخيم الزرقاء، واجتياح فرق المشاة شوارع مدن الزرقاء وعمان وإربد حيث حدثت معارك ضارية، وكان لشدة المقاومة فى مخيم الوحدات السبب فى دفع القوات الأردنية إلى زيادة قوة القصف، إلى أن قامت سوريا فى 18 أيلول بمحاولة التدخل للدفاع عن المقاتلين الفلسطينين، فتم إرسال قوات سورية وجيش التحرير الفلسطينى مزودا بقوات مسلحة ودبابات سورية إلا أن القوات الجوية السورية لم تتدخل بأمر من وزير الدفاع حافظ الأسد آنذاك، وبعد مؤتمر عقد فى القاهرة تم خروج المنظمات الفلسطينية من المدن الأردنية كاملة إلى أحراش جرش وعجلون، ثم اجتاحت قوات الجيش الأردنى أحراش جرش وعجلون، واستأصلت آخر معاقل منظمة التحرير الفلسطينية وباقى المنظمات إلى الأبد، وقد أسست "فتح" منظمة أيلول الأسود بعد ذلك فى 28 نوفمبر 1971، وقامت باغتيال رئيس وزراء الأردن الأسبق وصفى التل فى القاهرة، وبعملية ميونخ ضد الإسرائيليين فى القرية الأولمبية، وبعض العمليات الأخرى.
وهكذا يأتى دائما يوم 11 سبتمبر ليدفع بالذكريات المريرة لتطغى على الوجدان المتعب من كثرة الأهوال التى رآها العالم فى مثل هذه الأيام من هذا الشهر.
• كاتب وروائى مصرى
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة