لست مع القائلين أو الكاتبين أو السائرين وراءهم بأن مصر فى خطر لمجرد بضعة أحداث تحدث فيها الآن، أو حدثت قبل الآن بأوان زادت أو قصُرت مُدتُهُ!!
ولست كذلك مع القائلين أو الكاتبين أو السائرين وراءهم بأن مصر سائرة إلى فوضى وإلى حالة يغيب فيها القانون أو إلى تلاشى دور الدولة فيها، فتباً لهم جميعاً وتب!!
فمصر الشعب والأرض والتاريخ والجغرافيا والحاضر والحضارة والجيش والقضاء والأمن والمؤسسات والاقتصاد والمخابرات والقائد العاقل والدور الإقليمى العبقرى أقوى بكثير مما يتخيلون.
ومن ثم- فلا يجوز لأى منا أن يدعى أن مصر فى خطر لمجرد (خناقة) حدثت فى الآونة الأخيرة بين بعض محامين وبعض قضاة لرواسب نفسية لدى أىً منهما، أو بين جماعة وجماعة أخرى سياسية أو اجتماعية أو فئوية يرون أحقية لزيدأو عبيدأو جمال رئيساً قادماً لمصر، أو حزب وحزب، أو بعض أعضاء من حزب واحد، أو لمجرد زوبعة فى فنجان بين حكم محكمة سبق صدوره فى غير صالح فئة تختلف ديانتهم عن الديانة الرسمية للدولة، أو لمجرد فساد رجل أعمال أو حتى وزير حالى أو سابق، أو لمجرد سرقة لوحة خشخاشية، أو لمجرد حالة انتحار لشاب، أو حالة عنوسة لشابة، أو لمجرد سبق خروج عُمال (10) أو (20) أو حتى (30) شركة لمظاهرات فى الشارع أو اعتصام داخل أو خارج الشركة هذه أو تلك لمطالب يراها العمال من الحقوق الأساسية لهم.
ولكننى قد أتفق مع قائل أو كاتب أو مع من يسير وراءهما بأن مصر تعيش الآن مرحلة مخاض عصيبة، وربما خطيرة ومريرة نظراً لحالة الحراك السياسى والاجتماعى غير المسبوق لها سواء لها كوطن، أو لمواطنيها، وهُم الذين ينعمون بنسائم حرية كتابة الكلمة، وحرية الرأى والتعبير، وحرية العقيدة لأول مرة فى تاريخ مصر الذى نُحصيه بآلاف السنين عدداً.
وأيضاً قد أتفق مع القائلين بأن الأمر كله يجب ألا يتجاوز مقولة أننا شعب قوامه اقترب من 80 مليون نسمة، فلا بأس من اختلافنا وخلافنا حول بعض الأمور بيننا، ولا بأس من أن نكون مختلفى الثقافة والديانة ومختلفى الهوى والتحزب، ولا بأس أن نختلف حول ما نراه لا يحقق مصلحة ما لفئة ما!!
ولا بأس أن يحدث بيننا شجار أو خلاف طالما أن القانون هو السيد وهو الملاذ!!
هذا مع الأخذ فى الاعتبار أن كل فئة منهم منقسمة على نفسها تجدها تتصارع وتتنافس وتتجاذب أطراف الحديث مُطالبة بأحقيتها فى تولى مقاليد الأمور فى ذات الحزب أو الفصيل لأنها ترى فى نفسها ذلك.
وإنى إذ أرى أن كل هذا هو شىء طبيعى جداً طالما أن هُناك قانونا سائد ودستور حاكم، فلا بأس إذن من الاختلاف، ومن التنافس والتطاحن، بل ومن التقاتل، طالما (القانون والدستور) موجودان وبقوة.
وأمامنا كثير من الشواهد الدالة على ذلك ولو أنكر الناكرون!!
وإذا أردنا أن نرى هذه الشواهد الدالة، فما علينا فقط إلا أن نتذكر مشاكل أكبر من المشاكل المعروضة الآن سواء على المستوى السياسى أو الاقتصادى أو الاجتماعى..
فلنتذكر– مثلاُ - خلاف سبق بين القضاة أنفسهم، والحمد لله فقد انتهى إلى قوة وتماسك بين القُضاة أكثر مما كان عليه، على الرغم من أن وقت اشتعال هذه الأزمة وغيرها من الأزمات تم تبشيرنا من خلال بعض من الإعلاميين بأننا نحيا بوادر انهيار الدولة!!
وهو كذلك ما تم تبشيرنا به إذا تذكرنا خلافات الأحزاب فيما بينها وقد وصلت– ذات مرة- إلى حد ضرب النار فى سراى أحد الأحزاب، والحمد لله فقد أصبح الحزب الآن فى حالة هادئة مُنتجة لآثار كثير ما تمنيناها للحياة الحزبية فى مصر.
وهو كذلك ما تم تبشيرنا به بأقلام بعض الكتاب عندما وقعت كارثة الدويقة، أما الآن - والحمد لله فقد حصل (غالبية) سكانها على مساكنهم الجديدة فى ذات الوقت الذى أصدرت فيه المحكمة أحكاماً قاطعة ضد المُفسدين أسباب الكارثة.
وهو كذلك ما بُشرنا به فى أزمة المحامين والقضاة التى صادفت تظاهر وإضراب السادة المحامين لمدة زادت عن شهرين، وها نحن نراها فى طريقها إلى الحل بعد تدخل شيوخهم وحكمائهم، وهو ما طالب به رأس الدولة الحكيم الرئيس مُبارك!!
ولا ننسى أن المحكمة الدستورية العليا قد سبق لها أن أصدرت قرارها بقبول طعن البابا شنودة على الحكم الخاص بالزواج الثانى للأخوة المسيحيين لتبدأ المداولات من جديد بشأنه، وهو الحكم الذى رأى كثيراً منا أنه أول طريق ذوبان الدولة وانهيارها نتيجة الفتن المنتظرة فى أعقابه.
وها هى مشكلة الشرطة مع بدو سيناء التى عانى منها المجتمع السيناوى نفس معاناة الشرطة، هاهى قد أخذت طريقها إلى الحل من خلال مواءمات مُحددة!!
وهلم جرا .......
أما مسألة مياه النيل التى سبق أن صورها الإعلام للناس على أن مصر وشعبها فى طريقهما إلى مرحلة العطش والجفاف، بل والجوع ونهاية الدولة، فإنى إذ أرى أن الأمر أعقد بكثير مما صوره لنا الأعلام – خاصة المكتوب – بقيادة رهط من الإعلاميين، فهناك – أولاً - استحالة جغرافية تمنع سريان ماء النيل عن مصر وشعبها ومن ثم تمنع العطش والجوع، وهناك – ثانياً - اتفاقيات دولية تمنع هذا أو ذاك وهى اتفاقيات مُراقبة من المجتمع الدولى، بل إن ( قانون ) البنك الدولى يمنعه من منح تمويل لدولة منبع لإقامة مشروع يضر بدولة مصب!!
وأخيراً، فلا بأس أن نكون فى حاجة إلى تزاوج بين مصالح مصر ومصالح مجموعة دول حوض النيل، ولا بأس من مراعاة هذه المصالح من كلا الجانبين، وهو ما تم ويتم على أعلى مستوى قيادى لكل من دول المصب ودول المنبع كثيراً مارأيناه وسمعناه فى تصريحات قادتها فى أعقاب الأزمة التى زالت.
فأين الخطر يا سادتى وسيداتى المُبشرين؟ وأين الانهيار وأين النفق المُظلم الذى به تُبشرون؟! وأين الفوضى وغياب القانون وتلاشى دور الدولة الذى عنه تقولون وتكتبون وتدعون وتصدقون؟!
هل من إجابة؟
سعيد سالم يكتب: كل شىء يهون فى ظل سيادة القانون
الأحد، 12 سبتمبر 2010 01:36 م
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة