فرضت برامج التوك شو نفسها على المشاهد المصرى، فوجد عينيه لا تطرف عنها لحظة، فكيف تحقق ذلك؟ وما خطورته؟ ومع الأخذ فى الاعتبار أن هناك مجموعة من البرامج متميزة ولا ينطبق عليها ما سأقوله إلا أنه من وجهة نظرى تم ذلك فى بعض البرامج عبر ثلاثة محاور.
الأول: التركيز على شخصية مقدم البرنامج، وإظهاره بصورة الجرىء فى الحوار، الفصيح العارف بكل المواضيع، المثقف أكثر من الضيف المتخصص، وذلك دون الإشارة لفريق الإعداد الذى يلقنه كل كبيرة وصغيرة فى أذنه، فمقدم البرنامج هو المتعاطف الدائم مع الفقراء والبسطاء وعامة الشعب فى وجه الآخرين، وبذلك تصبح شخصيات المقدمين مشابهة لأبطال السير الشعبية.
الثانى: الفرقعة الإعلامية المستمرة وقصيرة المدى للقضايا الحساسة فى المجتمع المصرى؛ فيتم تقديم زخم إعلامى يومى ملىء بالموضوعات الرنانة، ثم الانتقال فى اليوم الثانى لموضوعات أخرى وهكذا بحسب كل يوم، وهذا رغم أنه يوجد استمرارية لانجذاب المشاهد وتشويق يومى له، إلا أن له عيبا خطيرا يتمثل فى تسطيح الموضوعات الهامة، والمساواة فى الرأى العام لدى المتلقى بين مختلف الموضوعات، ومع سرعة الانتقال ونسيان الموضوعات بشكل دورى، يصعب تكوين موقفا صحيحا تجاهها خاصة مع تعدد التناول للقضية الواحدة فى البرامج المختلفة ـ بحسب شطارة فريق كل برنامج وهو ما أوجد رؤية مجتمعية باهتة لأهم القضايا المصرية ـ فيما أعتقد.
الثالث: تجاهل الأمور الإيجابية والجيدة فى المجتمع المصرى، فلا تذكر أخبار أو أحداث حسنة فى مصر، وكأنه لا يوجد المتفانى والمخلص والمبدع فى مصر، لا يوجد من يستحق التكريم والتقدير والإشادة به، وهو ما أوجد حالة من الكآبة والقتامة صبغت الواقع المعاش لدى الناس التى أدمنت هذه البرامج، مما قد يساعد على اليأس وأضعاف الانتماء الوطنى، وهو أخطر ما يمكن أن يحدث من جراء هذه البرامج. خاصة مع التخلى عن الالتزامات التثقيفية أو التنويرية بعدم متابعة الحركات الثقافية، والمنجزات العلمية، والاكتفاء بترك المشاهد فى حالة الصدام والإحباط واليأس، منتظرا ما سيقدم له فى حلقة أخرى.
ولأننى أعلم أن سر الطبخة فى فريق الإعداد، أقدم بعض الاقتراحات التى يمكن أن تزيد من عظم فائدة هذه البرامج، مثل تخصيص جزء تثقيفى تنويرى من وقت هذه الحلقات يعود على الناس بمعلومة طريفة أو فائدة يستفيدون منها فى مختلف نواحى الحياة، وتخصيص وقت حتى لو كل فترة لتكريم النماذج الجيدة فى مختلف المجالات من المخلصين والمتفانين فى عملهم فى الطب والتعليم والتكنولوجيا والفنون وغيرها، وعمل لقاءات معهم حتى يتحمس الناس فى ظل الواقع المادى الذى أصبحنا نعيشه لأن يكون لديهم دافع لإتباع القيم الحسنة، حتى لو من أجل الظهور على شاشات هذه البرامج. وفى الختام تحية للجاد والمهنى من هذه البرامج وتنبيه لغيرها.