منذ أربع سنوات تحول عماد الكبير إلى نموذج للنضال ضد التعذيب فى أقسام الشرطة، وتحول من مجرد "فتوة" بلفظ مهذب، إلى مناضل فى سبيل حقوق الإنسان، لكن هذا المناضل الذى فاقت شهرته الآفاق، وظهر على تليفزيونات العالم كله من CNN إلى الجزيرة، سرعان ما تحول إلى هارب من وجه العدالة، بعد مشاجرة مع سائقى الميكروباص بمنطقة بولاق الدكرور الذين رفضوا دفع الإتاوة التى يفرضها عليهم عماد "الكبير".
وحسب ما نقلت كافة وسائل الإعلام رفض أحد سائقى "الميكروباص" بموقف ناهيا دفع الإتاوة المفروضة عليه، فاستعان عماد الكبير بنحو22 شخصا من أصدقائه وتوجهوا لمنزل السائق وتعدوا عليه أمام جيرانه مما دفع الجيران وأصحاب المحلات الموجودة بالشارع للتدخل لإنقاذه.. مما أسفر عن إصابة 21 شخصا وتحطيم عدد من المحلات التجارية، وفر عماد الكبير إلى زراعات كرداسة حيث تسعى الأجهزة الأمنية للقبض عليه.
عماد الكبير حالة ينبغى التوقف عندها جيدا، فهو مواطن تعرض للتعذيب ومعاملة غير إنسانية داخل قسم الشرطة، وأحيل ضابط وأمين شرطة إلى المحاكمة بتهمة تعذيبه وصدر ضدهما حكم بالحبس.. فى قضية هزت مصر وتدخلت فيها تقريبا منظمات حقوق الإنسان كافة، وكذلك وسائل الإعلام، لكن هناك فرق بين التصدى لممارسات غير إنسانية فى المؤسسات الشرطية، وبين تحويل خارجين على القانون إلى نماذج ومثل عليا فى قضايا تهم الرأى العام.
ومن تابع كليب تعذيب عماد الكبير وظهوره على الفضائيات والأحاديث الصحفية العديدة التى أجريت معه، سيترسخ لديه إحساس بأننا أمام بطل ومدافع صلد عن حقوق الإنسان، لكن حين يتحول هذا البطل إلى بلطجى يفرض الإتاوات على الناس بالقوة، ويمارس العنف المفرط ضد من يرفضون الخضوع له يسقط هذا النموذج وتهتز الصورة أمام الناس.
وأعتقد أن مشكلة مصر الحقيقية خلال السنوات الخمس الماضية، وهى أهم سنوات التحول الديمقراطى فى تاريخه، وأن الإعلام لم يفلح فى صناعة نماذج حقيقية، وإنما حول بعض الأشخاص إلى أبطال رغم أن فى حياتهم الكثير من الأخطاء والجرائم التى لا تمنحهم هذه المكانة العالية فى المجتمع.
ولا يقتصر الأمر على عماد الكبير فقط، وإنما ظهر بشكل كبير فى النخبة السياسية والإعلامية، أنا شخصيا أعرف أن بعض من يتزعمون معارضة النظام ليسوا فوق مستوى الشبهات، ومن يطلون علينا كل مساء للدفاع عن حقوق الإنسان والتصدى للفساد، مارسوا الفساد بأشكال مختلفة قبل أن يلبسوا مسوح الأبطال.
هكذا صنعنا أبطالا من ورق.. وكما سقط نموذج عماد الكبير لا بد وأن تسقط كل النماذج الأخرى الهشة.. لكن فى النهاية سيؤدى بنا الحال إلى حالة من اليأس لأننا لا نجيد صناعة الأبطال ولا نقدم نجوما تستحق المكانة الكبيرة التى يتقلدونها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة