"وما ربك بظلام للعبيد" هذه الآية الكريمة هى خير حكمة لما يحدث هذه الأيام وأنها تدل على العدالة الإلهية المطلقة وأن الله يمهل ولا يهمل، يمهل بأن يمنحك كثيرا من الوقت حتى تعود إلى رشدك فإذا بلغ بك الشطط مبلغا وأغلقت على نفسك أبواب رحمة الله وأستندت إلى قدرتك ونسيت قدرة الله عليك جائت قدره الله ليقتص منك بالحق لتكون عبرة للآخرين. وما فعلته أو تفعله أو ستفعله أثيوبيا هذه الأيام هو خير دليل على قصاص الله العادل. فقد شرعت مصر فى الأيام الماضية فى بناء سد واطى تحت الأرض وقد شددت فى أوصافه وأدواته ومواده ليكون سدا فولاذيا أوهكذا أراد من أمر بإنشائه أن يكون كذلك، نقول هكذا أراد من أمر بإنشائه فقد يجعل الله فى الغيب ما يجعل هذا السد الواطى سد هشا تذوره الرياح. وكانت إرادة من أمر بإنشاء السد يعلم قبل غيره أنها أرادة آثمة لذلك بدأت فى تنفيذه تحت جنح الظلام وظل صامت لا يعلن عنه وتناولته الصحافة القومية والمستقلة والمعارضة والأجنبية وقد التزم صاحب الأمر بالصمت ولم يصدر ثمة بيانا للتأكيد أو للنفى، وهذا العمل لو كان حقا عملا قوميا مثل عمل الكبارى وشق الترع وزراعة الأرض وإنشاء المصانع لتصدر هذا العمل مانشتات الصحف القومية وأنه كان بناء على توجيهات وأوامر السيد الرئيس، ولما كان هذا العمل هو مشينا بغير خلاف لذلك ظلت الجهات المسئولة صامتة لم يصدر منها أى تأكيد وهذا يقطع بأنه عمل مشين وغير مشرف لمصر وبعد أن أصبح موقف الجهات المسئولة أكثر خزى وعار من قرار إنشاء السد الواطى وأصبح صمتهم دليل ضعف بعد أن تداولت الصحف والقنوات الأجنبية أمر هذا السد، خرج بعض المسئولين ليقرروا أن هذا العمل تطلبه مصلحة مصر القومية.
وبادئ ذى بدء فإن الأعمال القومية لا يمكن لأى مسئول أن ينسبها لنفسه ويجب عليه أن يذكر أنها بناء على توجيهات السيد الرئيس، وهذا الأمر لم يحدث بالنسبة لهذا السد الواطى فلم ينسبوا هذا العمل بأنه كان بناء على توجيهات السيد الرئيس أو ينسبوه لغيره فاصبح هذا العمل بغير أب وهذه واحدة والثانية أنهم حرفوا الكلام عن موضعه فلم يسموا العمل باسمه الصحيح بل وصفوه بإنه انشاءات هندسية وعندما حاور مذيع قناة الـ BBC ضيفه المصرى بأنه يجب أن يسمى هذه الأعمال الهندسية بأسمها الصحيح عاد المسئول المصرى وقرر ذات قوله السابق بأنها أعمال هندسية وعندما أعاد المذيع سؤاله مرة ثانية بأن العمل الهندسى أو الإنشاءات الهندسية هى وصف للأعمال التنفيذية وليس وصف للعمل المطلوب إنجازه ذلك لأن المستشفيات والمدارس والفنادق والكبارى كلها أعمال وإنشاءات هندسية هنا لم يجب المسئول المصرى وكرر ما سبق أن كرره من أنها أعمال هندسية، هذه الحجة المصرية والثقافة المصرية فى الرد على المذيع الأجنبى الذى تناقلت موجات قناته جميع أرجاء العالم وهذا كان موقف الضيف المصرى وياليت المسئولين يرسلون من هو أدرى بالحوار وهكذا كان رؤية العالم عن موقف الحكومة المصرية من الأجابة على التساؤلات وبات الأمر واضح أن السد الواطى لم يعلنوا عنه ولم يسموه باسمه الصحيح ولم ينسبوه إلى توجيهات السيد الرئيس، ولم تتأثر الجهات المسئولة فى مواجهة الرأى العام العالمى بمأساة حصار غزة التى تتفاقم يوما بعد يوم ولا بمحاولات إمداد القطاع بمساعدات أجنبية لتحذر الجهات الداخلية أيضا من تقديم المساعدات بل أتت الجهات المسئولة بأمر أشد قصوة فى الحصار بأن قبضت على مسئولين قوافل المساعدات الداخلية ونكلت بهم شر تنكيل كما وضعت جميع العراقيل أمام القوافل الأجنبية وكان أبشعها منظرا الانتظار أمام معبر رفح لدخول المساعدات الأجنبية وكان آخرها قبحا هو ما حدث مع القافلة الأوروبية برئاسة جالاوى حيث أغلق فى وجهها ميناء نويبع لأيام وتدخلت الدول والمؤسسات المدنية وتم تغيير ميناء الرسو إلى العريش وتم إنقاص عدد السيارات الداخلة وحجم المعونات الداخلة وهكذا لم تترك الجهات المسئولة صغيرة ولا كبيرة إلا وفعلتها لذلك كان قرار أصحاب القوافل الجديدة أن الصدام مع الأسرائليين أهون من الصدام مع مصر أو أنه سترا للفضيحة من أن حصار عزة بيد مصر ليجعلوا العقبة هى إسرائيل، وهكذا استبدلوا الموانئ المصرية والمعبر المصرى بالموانئ الغزاوية التى تتحكم فيها إسرائيل، وهذا كله لم يحرك جفنا للجهات المسئولة فى أن يعدلوا عن موقفهم، وجاءت ضربات القدر أشد وطئة وأكثر فتكا سواء بالجهات المسئولة أو بالنظام المصرى بأكمله حيث لم تلق دول مصب وادى النيل بمصر بالا بل أتفقت هذه الدول على أرض مصر وفى مؤتمر شرم الشيخ على الاتفاقية الجديدة وأعلنوا فى شرم الشيخ أى فى مقر دارنا هذه الاتفاقية غير عابئين بمصر والسودان وهذا الموقف هو أكثر خزيا من إنشاء السد الواطى حيث أهانوا السيادة المصرية ولم يقيموا لها وزنا ولم تستشعر الدول الأفريقية أى حرج أو خجل فى إعلانهم لمثل هذه الاتفاق بمثل هذه الجرأة ثم تتوالى الأيام ليوقعوا هذا الاتفاق الأيام الماضية لتبنى أثيوبيا سبعين سدا على النيل الأزرق وهو عصب مياه النيل، وبذلك فإن مصر أذ حزمت أمر نفسها بمفردها وبنت سدا واطيا لحجب المساعدات عن قطاع غزة وغلق الأنفاق فإن الله قد أرسل إليها عشر دول أفريقية وأجنبية لبناء السدود وتمويلها على مصب النيل لمنع الحياة عن نهر النيل الذى هو وحده شريان الحياة فى مصر، وهكذا قطعنا شريان حياة غزة وقطعت الدول الإفريقية شرايين الحياة عن مصر وما ربك بظلام للعبيد.
* المحامى بالنقض
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة