مر العام كالشهر.. والشهر كالأسبوع، والأسبوع كاليوم، واليوم كالساعة، والساعة كالدقيقة، والدقيقة كالثانية، حتى مَنَّ الله علينا بقرب قدوم الشهر الكريم.
فعجلة الأيام تجرى سريعاً من أمامنا، ونحن فى غفلة عنها.. فقد أزف شعبان بالرحيل عنا، وبعد أيام قلائل سيهل علينا شهر عزيز إلى قلوبنا، إنه شهر الله الأعظم، الشهر الذى تغلق فيه أبواب النيران، وتفتح فيه أبواب الجنان.
خرج الأطفال إلى الشوارع، ليعبروا عن فرحتهم، يكتبون فى مخيلتهم أسمى أمانيهم، وقد امتلأت الشوارع بأفراحهم، وتعالت أصوات ألعابهم تدوى فى الشوارع ابتهاجا بقدوم الحبيب، الذى تشتاق إليه النفوس.
ذلك الشهر العظيم الذى ينتظره المسلمون بشغف ولهفة، وينتظره المؤمنون بشوقٍ ودمعة، دموع فرح باستقبال أغلى الشهور.
ها هو شهر رمضان يقترب منا بعطره الفواح، لينشر الخير بين الناس.. فيا باغى الخير أقبل ويا باغى الشر أقصر.
ونجد أن الناس فى هذه الأيام انقسمت إلى صنفين: صنف استعد لاستقبال رمضان بكل ما لذ وطاب من المأكل والمشرب، يقضى جل وقته نائماً ومعظم ليله هائماً من كثرة ما تمتلئ به معدته من الطعام، حتى إنه لا يستطيع تأدية الصلاة بسبب ما امتلأت به معدته من الطعام، وكثيراً ما يضطر للدَّين لتلبية احتياجات البيت من المأكل والمشرب، وكأن رمضان جاء لخراب البيوت، ولم يأت لمحو الذنوب.
والصنف الثانى يستعد لاستقبال رمضان بالعودة والإنابة إلى الله، وترك كل ما نهى الله عنه من المعاصى والآثام، لأنه يعلم أن رمضان شهر الرحمة والغفران والعتق من النيران، ويعرف أن الحكمة التى شرع من أجلها الصيام هى تقوى الرحمن، وليس ارتكاب الذنوب والآثام.
فيا مقبلا على رمضان، وأنت تجهد نفسك فى الجوع والعطش، وتحرم نفسك شهواتها، تذكر أن الله قد أعد للصائمين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ولئن فرحت فى دنياك بإتمام الصيام، فإن فرحتك الكبرى عندما تلقى الرحمن وتبشر بالجنان.
وأتوجه إلى أخواتى ربات البيوت فى مشارق الأرض ومغاربها، الذين يملأون بيوتهم بكل ما لذ وطاب، وكل ما تشتهيه الأنفس، ويرهقون كاهل أزواجهم بكثرة الإنفاق والبذخ الزائد عن الطاقة، حتى إنهم يجبرون أزواجهم على مد أيديهم للبنوك أو الأشخاص، أنه لا داعى لكل هذه المصاريف الزائدة عن الحاجة، لأن رمضان هدية من الرحمن لعباده المؤمنين وفرصة كبيرة لجنى الحسنات والابتعاد عن السيئات، وليس لإرهاق كاهل الأزواج بالديون.
وكل عام وأنتم جميعاً بخير، وتقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال، وجعل رمضان شهر خير وبركة علينا وعليكم، وأعاده الله علينا وعليكم أعواماً عديدة وأزمنة مديدة بالخير واليمن والبركات.
