أقَمْتُ بِنَاءَهَا بِيَدى جَعَلتُ رُفُوفُهَا خَشَبا، ورُحْتُ أَضُمُ فِيهَا الفَنَ والتَاريخً و الأدَبا، رِفَاقِى أصْبَحُوا أبدًا بجَنْبى أَقْصِدُ الكُتُبَا، أُحَادِثُهُم نَعِيشُ مَعاً كُنُوزِّى تُزَاحِمُ لشُهُبا، أُحِبُ كُنُوزَ مَكْتَبَتى ولو صَغُرَتْ ولا عَجَبا، عَنِ المخْطُوطِة الأُولىَ سَلوْا أجْدَادى الُعُرْبَا.
هكذا تحدث الشاعر؛ عرف مكتبته ووصفها قائلا إنه يرى فيها بناء وعالماً وأصدقاء وكنوز وسر أجداده العرب. إلا أنَّ الأكاديميين غيروا هذا المفهوم فأصبحت المكتبة مؤسسة ثقافية اجتماعية تحتوى مجموعة من أوعية المعلومات، مرتبة ترتيباً يسهل عملية الاستفادة منها، والفرق فى مفهوم الشاعر ومفهوم الأكاديمين يوضح الفرق بين المكتبات قديما وحديثا.
عاشت المكتبات الثقافية فى مصر نهاية ثمانينيات القرن الماضى فترة جدب شديد كادت أن تقضى على بذور المعرفة لدى القراء وأصحاب دور النشر، بعد أن امتدت حالة من الخمول الإنتاجى والمعرفى لدى الكتاب من جانب؛ وظهور نوعية من الإنتاج الورقى من جانب آخر همها الأول إظهار فضائح العامة وتغييب أولويات نشر المعرفة لدى المجتمع، إلا أنه مع بداية منتصف التسعينيات من ذات القرن بدأت تظهر فى مصر مجموعة من المكتبات الثقافية ذات طابع حضارى متميز، يتصل فى أصوله بروابط أصيلة فى عصور ثقافية كانت ومازالت آثارها المعمارية باقية فى فاطمية القاهرة الإسلامية.
وتتبارى المكتبات الثقافية فى مصر الآن، فى ارتداء أثوبة أصيلة راقية تتصل بأصول ثقافتنا العربية والإسلامية من حيث الديكورات الداخلية والألوان المختلفة، فى العناوين والمؤلفات وصولاً إلى تقديم خدمة الضيافة الخفيفة لروادها. والتى لم تقبل أن تقِفَ عند هذا الحد بل أفسحت مساحات خالية لتنفيذ أنشطة تعليمية ترفيهية عدة للأطفال خاصة وللكبار أحياناً، علاوة على إقامة أمسيات لتوقيع كتاب جديد بحضور مؤلفه.
الدكتور الدكتور سعد الهجرس أستاذ علم المكتبات بكلية الآداب جامعة القاهرة يقول إنه على الرغم من أن المكتبات الثقافية الشخصية يمتلكها أفراد، فقد أدى بعضها دورا مهما فى إثراء الحياة الثقافية والفنية والفكرية لأصحابها والمحيطين بهم فثقفت كثيرا منهم ثقافة ذاتية منظمة جعلتهم فى مصاف المتخصصين وأبرز مثل لذلك هو (المرحوم مصطفى صادق الرافعى) الذى أصيب بالصمم؛ فعكف على مكتبة والده حتى خرج منها وهو يقف فى صفوف المتخصصين فى علوم اللغة والأدب".
وعلى ذات السياق يؤكد الأستاذ الدكتور. سعيد عبد المعز الأستاذ فى كلية التربية، جامعة حلوان أن المكتبة داخل البيت تُشَكِّل لدى الطفل طبيعية القراءة والالتقاء بالكتاب، كما أن ثقافة المحاكاة التى يمارسها الطفل فى سنواته الأولى تجعله مقبلاً على الكتاب من خلال حب والدية للقراءة والمطالعة، وما لا يعرفه الكثيرون أن عميد آدب الطفل الأستاذ. كامل كيلانى. ما أحب القراءة إلا من خلال مكتبة والده؛ والتى كانت تزخر بالصور الملونة والرسومات المبهجة.
جديرٌ بالذكر أن أقدم مكتبة ثقافية وثائقية أُقيمت فى مصر هى "دار الكتبخانة" التى أنشأها الخديوى إسماعيل باشا عام 1870م وكانت تضم فى بدايتها المواثيق والعهود الملكية، بالإضافة إلى مؤلفات مثقفى هذا العصر أمثال عمر مكرم والأمير مصطفى فاضل، كما حوت بداخلها عدداً من مخطوطات المصحف الشريف، بالإضافة إلى سجل (تعداد النفوس) الذى سجله محمد على باشا 1847م كأول محاولة لتعداد سكان مصر، علاوةً على ألبومات زواج الملك فاروق 1938م، ومحمد رضا بهلوى (شاة إيران).
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة