هى زيارة مرتقبة بالفعل للرئيس مبارك إلى واشنطن بعد فترة شهدت فيها العلاقات بين القاهرة وواشنطن توترا كبيرا على خلفية سعى إدارة بوش فى أعقاب أحداث الحادى عشر من سبتمبر 2001، إلى إحداث تغييرات جذرية فى خارطة التحالفات الأمريكية-الشرق أوسطية والتى تمثلت فى سعى إدارة بوش إلى مشروع نشر الديمقراطية وفتح ملفات قضايا حقوق الإنسان والمطالبة بتطبيق الإصلاحات السياسية والاقتصادية.
وتحمل الزيارة والتى يشارك فيها الرئيس مبارك فى إعادة إطلاق المفاوضات المباشرة بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى فى 2 سبتمبر المقبل عدة دلالات مهمة سواء على المستوى الإقليمى أو على مستوى العلاقات الثنائية بين الجانبين.
فالإدارة الأمريكية فى ظل إدارة أوباما الجديدة قررت اللجوء لخيار تهدئة أو تبريد حرارةِ الملفات الساخنة فى العلاقة مع القاهرة وتغيير مسار أجندة إدارة بوش فى التعامل مع ملفات الشرق الأوسط والحلفاء التقليديين للولايات المتحدة الأمريكية فى المنطقة، وكانت زيارة أوباما واختياره للقاهرة لإلقاء خطابه للعالم الإسلامى من جامعة القاهرة فى يونيو 2009 رسالة واضحة من واشنطن بأهمية القاهرة الاستراتيجية وبالخط الجديد فى العلاقة المتوترة، وحالت ظروف صحية للرئيس مبارك دون زيارة إلى واشنطن كانت مقررة فى أغسطس الماضى.
وعلى المستوى الإقليمى تبدو واشنطن حريصة فى الفترة الحالية أن تكون القاهرة حاضرة وبقوة فى الانطلاقة القديمة المتجددة للمفاوضات المباشرة بين إسرائيل والفلسطينين والتى ترعاها إدارة أوباما وترغب فى رعاية إقليمية من القاهرة، استمرارا لدورها التقليدى والتاريخى فى ملف الشرق الأوسط وفى القلب منه القضية الفلسطينية.
التوقعات والاحتمالات التى تستبق انطلاق المفاوضات المباشرة تشير إلى أن القاهرة تحمل رسالة واضحة بموقفها من الانطلاقة الجديدة، فالرئيس مبارك سوف يلقى- وفقا لما صرح به السفير سليمان عواد المتحدث الرسمى باسم رئاسة الجمهورية ستلخص تطلع شعب مصر وشعوب المنطقة العربية والإسلامية لمفاوضات جادة تتوافر لها فرص الاستمرار، وصولا إلى اتفاق سلام ينهى الصراع الإسرائيلى الفلسطينى وينهى الاحتلال ويقيم الدولة الفلسطينية.
وستحرص القاهرة على أنها الوسيط المنحاز إلى حل عادل للقضية وليس وسيطا ضد الفلسطينيين كما يسعى الطرف الإسرائيلى دائما لدفع مصر للضغط فى كل مرة على الفلسطينيين لقبول شروط التفاوض والجلوس على مائدة المفاوضات.
أما على مستوى العلاقات الثنائية، فالملفات التى قد يحملها جدول أعمال الزيارة المرتقبة للرئيس مبارك إلى واشنطن- بعد فترة الانقطاع - فهى كثيرة وربما يأتى فى مقدمتها ملف المساعدات الأمريكية لمصر وملف الوضع الداخلى، وبالتأكيد الملف الإيرانى الساخن والتداول حول طريقة التعامل معه.
ويرى مراقبون أن الزيارة تأتى فى ظروف داخلية مغايرة تشهدها مصر مع اقتراب استحقاقات انتخابية سواء لمجلس الشعب فى العام الجارى أو الانتخابات الرئاسية فى العام 2011 والحراك السياسى الدائر فى الخريطة السياسية المصرية وغموض الموقف الأمريكى منها حتى الآن على الأقل، وتبدل نهج الإدارة الأمريكية الجديدة عن نهج سابقتها التى سعت إلى إحداث تغييرات جذرية فى خارطة التحالفات الأمريكية-الشرق أوسطية وتجسدت فى تصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كوندليزا رايس عام2005 فى القاهرة بالقول بأن الولايات المتحدة ظلت على مدى سنتين تماماً تتبع استراتيجية تحقيق استقرار الشرق الأوسط على حساب الديمقراطية.
وبلغت ذروتها فى خطاب جورج دبليو بوش عن حالة الاتحاد (2005-2006)، بمطالبة الرئيس مبارك صراحة، بضرورة أن يثبت عملياً بأنه يمضى قُدماً باتجاه تنفيذ مشروع نشر الديمقراطية فى الشرق الأوسط.
ولم تكتفِ واشنطن بالضغط على القاهرة عن طريق التصريحات السياسية وحسب، وإنما لجأت إلى تشديد ضغطها عن طريق إعادة هيكلة برامج المعونات والمساعدات الأمريكية المقدمة إلى مصر وإعادة هيكلة مفهوم العلاقات الثنائية الأمريكية-المصرية، بحيث يتضمن إدماج مفهوم حماية أمن إسرائيل كمتغير رئيسى فى العلاقات المصرية-الأمريكية، وإعادة هيكلة مفهوم المصالح المشتركة الأمريكية-الإسرائيلية، بحيث يتضمن مشروع نشر الديمقراطية، ومشروع إدماج إسرائيل فى المنطقة، ومشروع الحرب ضد الإرهاب.
ولم تكتفِ إدارة بوش بمجرد التفاهمات المشتركة مع كبار المسئولين المصريين وإنما سعت إلى دفع مصر التوقيع على مذكرة تفاهم تتضمن إقرار القاهرة بالموافقة على المساعدات والمعونات الأمريكية بالإصلاحات السياسية والاقتصادية الجارية فى مصر، والتى من بينها التزام النظام المصرى بإنقاذ مشروع نشر الديمقراطية، ونشر مشروع إزالة القيود على الحقوق والحريات، إضافة إلى الالتزام بعدم انتهاك حقوق الإنسان المصرى.
وسعت واشنطن بوش بعد ذلك إلى تحديد قائمةٍ أو بالأحرى إلى جدولة الإصلاحات السياسية والاقتصادية المطلوب من القاهرة تنفيذه.
وكان كل ذلك فرصة أمام منظمات اللوبى الصهيونى للاستغلال لجهة إعادة ترويض وتطويع السياسة المصرية أكثر فأكثر بما يخدم ويعزز المصالح الإسرائيلية وخاصة فى الضغط على الجانب الإسرائيلى لقبول التنازلات فى القضايا محل النزاع مثل حق العودة والعودة إلى حدود 67
التوقعات أيضا تشير إلى اللقاء المرتقب بين الرئيس مبارك والرئيس أوباما سيتجنب القضايا والملفات الخلافية بين القاهرة وواشنطن وعدم التطرق إلى ملفات بعينها مثل قضية الإصلاح والموقف من تداول السلطة على الرغم من الضغوطات التى تمارسها بعض القوى السياسية داخل الكونجرس الأمريكى على أوباما للضغط على مصر
وعموماً، حتى الآن لا يوجد ما يؤكد بأن طاولة لقاء أوباما-مبارك سوف تنطوى على ما يمكن أن يحفز لانقلاب حقيقى فى الخارطة الشرق أوسطية.
وتوقعات الأوساط الدبلوماسية فى القاهرة تشير إلى أن مجرد دعوة مصر للمشاركة فى انطلاق المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين وإسرائيل تعد اعترافا بدور مصر الرئيسى ودور الرئيس مبارك فى دفع جهود السلام، وبالتالى لن يكون مطروحا ملفات مازالت سخونتها لم تبرد منذ إدارة الرئيس بوش السابقة.
عادل السنهورى يكتب: ماذا تحمل زيارة مبارك إلى واشنطن؟.. الدعوة لحضور المفاوضات المباشرة اعتراف بالدور المحورى للقاهرة.. والملفات الساخنة فى العلاقة الثنائية غير مطروحة للمناقشة
الإثنين، 30 أغسطس 2010 01:12 م