تتقدم الأمم عن طريق استغلال مواردها فى تحقيق حياة كريمة لأبنائها، وهو ما لا يمكن تحققه إلا على أساس تحقيق درجة من التراكم الرأسمالى تضمن للمجتمع الانتقال من مرحلة الدولة النامية إلى مرحلة الدولة المتقدمة، وهذا يتوقف على أ- مستوى الاقتصاد، وب- على قدرة المجتمع على توليد الثروة التى ترفع من شأنه.
ورفع قدرة المجتمع على تحقيق الثروة لا يمكن أن يتحقق أبدا،ً إلا إذا أسرع المجتمع كله فى اتجاه هذا الهدف بقوة، وبدون تردد خطوة للأمام وخطوة للخلف، ولا فزلكة، ولافتاكه، وبدون اللعب على الحبال، و مفتاح تحقيق الثروة للمجتمع على الدوام هو الاستثمار، والمقصود بالاستثمار هنا هو الاستثمار فى كل شئ، الاستثمار فى البشر، وفى الموارد الطبيعية، وفى التعليم، وفى الصناعة، وفى التطور التكنولوجى، ولا يجب أن ننسى أن زيادة الاستثمار فى دولة ما يؤدى بالضرورة فى ظل الاقتصاد العالمى الحالى (العولمة)، إلى منافسة الدول والمجتمعات العالمية، الذى يجب الاستفادة من تلك المنافسة وتحقيق النجاح والتقدم المستهدف للمجتمع.
وفى هذا العصر وفى القرن 21 وما بعده لا يمكن القول بأن الحضارة القديمة تمثل عنصر منافسة يمكن الاعتماد عليه بدرجة تحدى كافية، لأن هذه الميزة النسبية بالنسبة لمصر مثلا أو للصين، قد تكون ميزة سياحية ولكنها أبداً لن تمكن الدولة من أن تكون من ضمن كبار دول العالم الحديث، بل كما فعلت الصين ولم تعتمد على حضارتها القديمة ولكنها اتبعت سياسات اقتصادية مكنتها من احتلال مكانها الطبيعى بين الدول المتقدمة ومع الأسف لم يتعلم منها أحد فى مصر.
وقد لا يجد مقالى هذا استجابة كما حدث لمقالات سابقة لغيري، وخاصة عدم استجابة المسئولين عن الاستثمار فى هذ البلد وكأنهم غير مصريين، ولكنهم مع الأسف يضعون غشاوة على أعينهم وفى آذانهم وقراً، ويقومون بتنفيذ سياسات أقل مايقال عنها أنها ليست فى صالح مجموع الشعب المصرى حاضره ومستقبله، برغم حاجة الشعب إلى من يأخذ بيده حتى يتبوأ مكانه تحت الشمس، وسياسة الطناش هى الخطر بعينه، ومبدأ الطناش قد ينجح فى حالة قرار إدارى خاطئ ظالم ضد مواطن ما، ولكن الطناش فى مسألة الاستثمار، والتصميم على اتخاذ إجراءات معينة ضد الاستثمار فى الدولة، ليس من حق أحد مهما كان موقعه، وإنما هو من قبيل الخطأ المقصود والتدمير المتعمد لاقتصاد مصر ومستقبل الشعب المصري، وليس معنى زيادة عدد من الشركات الجديدة على الورق، أو زيادات هزيلة فى الاستثمار الخارجى أن نجاحا قد تحقق، قد تكون ثمار مجهودا فى حدود طاقة ومعرفة وخبرة المسئولين الحاليين ولكنه ليس بكافى لطموج الشعب المصرى لتعويض ما فاته من زمن.
وقد صرح أخيراً الأستاذ الدكتور محمود محيى الدين وزير الاستثمار خلال حفل افتتاح مؤتمر الاستثمار الرابع لمحافظات شرق الدلتا، بما يفيد تصميم سيادته على السير فى نفس الطريق المضاد لنجاح الاستثمار.
وقال فى تصريحه، إنه لن يقوم ببيع أى من شركات الدولة لمستثمر رئيسى، ولكنه سوف يقوم بضخ استثمارات جديدة فى قطاع الأعمال العام، التى كانت قد تجاوزت14 مليار جنيه فى العام الماضى، و6 مليارات فى العام الحالn، وسوف تصل إلى6.5 مليار فى العام القادم.
وتفيد هذه التصريحات بأن هناك قرارا بوقف قطار الخصخصة، والاقتصار على طرح نسب من أسهم تلك الشركات فى سوق المال، على أن تظل للدولة قدرة على التحكم فى تلك الشركات من خلال ملكية غالبية الأسهم، وهذا معناه أن يستمر القطاع العام مسيطراً، وقد يتم تدعيمه بقيادات جديدة "لا أدرى من أين" فقيادات القطاع العام لاتملك أى إبداع أو أى أمل فى نجاح، ففاقد الشىء لا يعطيه؟؟!!.
قد تكون الظروف قد خدمت مصر فى زيادة استثمارات رأس المال الأجنبى المباشر فى الفترة الماضية نتيجة عدة ظروف منها مجهودات السيد وزير الصناعة والسيد وزير البترول وبعض السادة الوزراء مع السيد وزير الاستثمار، وبالرغم من أن نصيب مصر من تلك الاستثمارات عالميا لا يقاس بمعشار مثيله فى الدول الدول الأخرى ومنها الدول المتقدمة الأوربية، أو ما كان يمكن أن يكون عليه فى حالة وجود خبراء أكفاء يديرون الاستثمار فى مصر.
كما أن انطلاق القطاع الخاص المصرى نحو التنمية فى كافة المجالات من التعليم إلى الصناعة، ومن الزراعة إلى الخدمات فى جميع مناطق مصر تقريبا، إنما يعتبر استثمارا مفبركاً من ناتج تسقيع الأراضى، اللهم يعض المشروعات الصغيرة من بعض صغار المستثمرين غير المحظوظين، أما التنمية الخاصة بالقرى السياحية والطرق الصحراوية، فالجميع يعلم من هم أصحابها وكيف سهلت لهم الأمور، لذلك فحجم الاستثمار الإجمالى ليس ناتجا عن مهارة أى جهة ولكنه فى معظمه ناتج عن الاستثمار الأجنبى المباشر الضئيل بالنسبة للدول الأخري، أو استثمارات المحظوظين من رجال الحزب الوطنى.
أنه بالرغم من ضخامة حجم الاستثمار المعلن، فإن الاستثمارات المصرية لم تصل حتى الآن إلى المستوى الذى يحقق طموح المجتمع وإلى محطة الوصول، والمطلوب تحقيق المزيد من الاستثمارات ومنافسة الدول التى تسعى مثلنا إلى الخروج من دائرة الفقر إلى عالم الغنى.
ومشكلة الاستثمار فى إعلان السيد الوزير، أن حجم تدفقات الاستثمارات الأجنبية إلى مصر يعتبر قليل بالمقارنة بالعديد من الدول الناجحة فى جذب الاستثمار على مستوى العالم، ومع ذلك فلم تسمح أى من تلك الدول لا ببقاء القطاع العام، ولم تسمح بأى صورة من صور بتحكم الدولة فى منشآت اقتصادية، ولا بضخ أموال جديدة فيها.
ومن المعروف أن من أهم عناصر المحافظة على الاستثمار وتشجيعه هى التأكيد للمستثمرين على أن الدولة لن تعود مرة أخرى للسيطرة على الاقتصاد، وبالتالى ضمان حرية حركة استثماراتهم، وهنا مصدر الخطورة بالنسبة للقرارات الوزارية الجديدة، حيث أن الدولة المصرية تتحكم فى الاقتصاد بصفة عامة، فإذا استمر قطاع الأعمال العام على هذا الحال، خاصة وأن الفشل كان من نصيب تلك الشركات التى استمرت الدولة فى التحكم فيها، فالنتيجة غير محمودة العواقب.
* دكتوراه فى إدارة الأعمال ورجل أعمال.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة