وصلنا للأيام الأخيرة من رمضان، وكنت أتمنى أن يحدث حوار مجتمعى فى هذه الأيام المباركة حول خطبة الجمعة لأن الكل يرى ضرورة أن تلبى حاجات الناس، وتتوافق مع طبيعة العصر الذى نحياه، طب ما تيجى نفتح إحنا الحوار، علشان نعرف فين المشكلة ونبدأ نتغير طالما كلنا مقتنعين بكده. ازاى بقى نخلى الخطبة تتناول هموم الناس بدلاً من المواعظ المملة الباردة واحد قالى.. والله العظيم سمعت خطب مكررة أكثر من ألف مرة من يوم ما اتولدت حتى الآن.
الخطيب... ما سكلك ورقة.. وكاتب فيها الكلام اللى بيقوله فى الخطبة بالحرف وكأنها مكتوبة له مش هو اللى كاتبها.. ويجلس يسمعها للمصلين والمستمعين بشكل ممل النتيجة الناس بتسرح وهو يلقى الخطبة على نفس الوتر واللحن لمدة نص ساعة.طب ازاى يا جماعة نخلى منبر الجمعة ساحة لمناقشة أمورنا والمشاكل اللى إحنا فيها وتتحول إلى دروس نافعة فى كيفية مواجهة الإهمال والفساد وحل مشكلات المجتمع ونربطها بما فعله السابقون، خطبة تساعد وتحث صاحب الفرن وعامله على إتقان صنع الرغيف وصاحب المصنع والمستثمر على توفير عمل للعاطل وأن يرحم الطبيب المريض والبائع المشترى وسائق السيارة لعابرى الطريق وتسود الرحمة والمودة بين الجميع.
يعنى يجيب الخطيب مثلا معلومة من الدين ويتساءل فين راحت و يتساءل كيف راحت؟ يعمل مزجا بين حدث حالى وخصلة فى الدين ويبدأ الإصلاح من المسجد اللى هو فيه ونظافته وما حوله من بيع وشراء، يعنى يربط الخطبة بالبيئة المحيطة به وهكذا كل جمعة، صحيح بعض أئمة المساجد جازاهم الله خيراً يثيرون قضايا اجتماعية مهمة كمشاكل الشباب والعادات والعبادات وغيرها ولكن للأسف الأغلبية تكون خطبهم موسمية فى رمضان عن الصيام كل سنة والعيد الكبير والصغير وهكذا. ليه بقى ما يندمجش الإمام مع الخطبة عشان الواحد يحس بيها.. مش كأنه مغصوب على الخطبة.
يا إخوانا الخطباء مواضيعكم الفقهية خلوها فى مجالس الذكر مش فى خطبة الجمعة.. وإذا كنتم مصرين تدخلونها فى خطبة الجمعة.. دخلوها فى غلاف لطيف لا ينفر المستمع وألقوها بطريقة طيبة ما تجيبش النوم للى قاعد يسمعكم.النتيجة إن الخطبة ستكون ممتعة ومفيدة للجميع دينيا ودنيويا.
الحكاية وما فيها إن هؤلاء الخطباء هم اللى وصلونا للى إحنا فيه من حيرة فى حياتنا الروحية وما تعرض له الإسلام من تشويه لم يحدث عبر التاريخ. القصة وما فيها إن بعض خطباء هذه الأيام من اتباع الهوى، وإلهاء الناس عن الأمور الجادة والاتجاه فقط إلى المواعظ، ومن هنا أصبحت صورة الخطيب مشوَّهة ومعظم الدعاة الحاليون يعظون ولا يتعظون، يقولون ما لا يفعلون، يأمرون ولا يأتمرون، ينهون ولا ينتهون، دعاة تكذب أفعالهم أقوالهم، نسمع خطباً منبرية قوية، وتحمسات وانفعالات، وثرثرة يعنى نسمع جعجعة لا نرى طحنا، وبالتبعية أصبحت خطبة الجمعة طقسًا دينيًّا مملاًّ تخوض به فى أمور بعيدة أشد البعد عن قضايا الناس، إلى جانب اتجاه أكثر الخطباء إلى الوعظ السلبى الذى لا يقيم أمة ولا ينشئ مجتمعًا، وعدم تعرضهم للواقع الحياتى الذى يحياه الناس، خاصة الشباب.
فين بقى الداعية الموسوعة الذى يجذب الشباب، ويتعب شويه فى البحث والمعرفة والتثقف فمن فقه الداعية ألا يكون كلامه مقصورا على منبره، فلا بد أن ينزل إلى الناس ويختلط بهم ويعيش آلامهم وآمالهم، صحيح أن المشكلة العامة للشعب المصرى بمنتهى الصراحة هى قلة التثقيف والاطلاع حتى إن معظم المتعلمين والجامعيين لا يعرف أى شىء إلا ما يريد حتى أنه لا يتزود ثقافيا فى مجال عمله وطبعا الإمام أو الداعية جزء من هذا البناء الاجتماعى وأنا لا أتكلم عن الجميع ولكنها الصفة السائدة.
أحد دعاة المساجد، اللى رفض أن أذكر اسمه، قال "السبب الرئيسى فى انصراف الناس عن الخطيب، هو ضعف إعداد الدعاة، لأن الكليات الإسلامية التى يتخرجون فيها تقبل أقل الدرجات، ومن هنا يتضح أن منشأ الخطيب الدعوى ضعيف فى الأصل. واحد تانى قال، "ضعف مرتب الخطيب يؤدى إلى انشغاله بأعمال أخرى تستهلك كثيرًا من جهده، فيؤثر ذلك على اطلاعه وإعداده للخطبة، ويبقى طول الوقت مشغول بالبحث عن مورد آخر للرزق، وهنا تأتى الخطبة مكررة وأكل عليها الزمن وشرب" طب نعمل أيه ؟ نرفع دخله ومرتبه بالظبط زى ما رفعنا دخل المدرس والطبيب، لأن عمل الإمام لا يقل عن أى عمل آخر بل يزيد..
أهم المعايير التى يجب أن يتحلى بها الداعية هى التعلم والقراءة المستمرة والاطلاع على أحوال الناس والتكلم فيما يهمهم وأن يعمل على أن يكون قدوة صالحة لهم. كمان تدريب الدعاة والمصلحين فى دورات تثقيفية، وتعريف الدعاة على مشاكل المجتمع المعاصرة، مع مشاركتهم فى ورش عمل لتعرفهم بالمشاكل الاجتماعية والبيئية وكيفية الوقاية منها من خلال الكلمات والمواعظ والمحاضرات والإرشاد والتوجيه إلى جانب المشاركة فى الحملات التوعية والتثقيفية الأسرية. أعتقد أن هناك مرحلتين فى العمل الدعوى، تبدأ بالمرحلة الوعظية الملامسة لواقع الناس، وبعد أن يحظى الداعية بحب واحترام الناس يمكنه أن ينطلق إلى مرحلة العمل الاجتماعى .تذكروا أن المسجد كان نقطة انطلاق المسلمين فى عهد الرسول، صلى الله عليه وسلم، وكان المنبر بمثابة قناة إعلامية من الطراز الأول.
نحن لا نشك فى كفاءات المعدين للخطب لكن الأئمة لا يحسنوا أو يستثمروا خطب الجمعة فهم لم يعودوا يركزون أو بالأحرى لا يهتمون بالقضايا الداخلية والمشاكل وأحوال الناس وفى الأول والآخر لا يظهر بساطة الإسلام وأن الله لا يريد ظلما للعباد ويشرحوا أن الجميع يمكنهم أن يدخلوا الجنة بسلام. عن أبى هريرة رضى الله عنه أن أعرابيا جاء إلى رسول، الله صلى الله عليه وسلم، فقال يا رسول الله دلنى على عمل إذا عملته دخلت الجنة فقال "تعبد الله ولا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة وتؤتى الزكاة المفروضة وتصوم رمضان قال والذى نفسى بيده لا أزيد على هذا شيئا أبدا ولا أنقص منه فلما ولى قال من سره إن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا" ورمضان كريم.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة