محمد ترك

المهدى المنتظر يخرج من أى مكان

الأحد، 29 أغسطس 2010 08:55 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مرت الأيام وهدأت هوجة أسطول الحرية وأساطيل أخرى من بعده والانتقادات الموجهة إلى إسرائيل وعدنا مرة أخرى إلى وضع ( كما كنت) لكن ذلك الزخم الذى كان أشبه بإلقاء حجر كبير حرَك المياه الراكدة و"طرطش" معظمها على سمعة إسرائيل التى ربما لا تأبه ولا تكترث لها من الأساس إلا أن هذا التحرك بقى على الأقل أحد المواقف القلائل التى تضامن الكثيرون حولها وأقلقت مضجع إسرائيل أو أقله أزعجت بعض مسئوليها.

وحرى بنا ألا نفقد تلك الروح أو نترك ذلك الخيط، فالمفاوضات المباشرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين برعاية واشنطن شرعت فى البدء وتبين دائماً أن المواقف المبنية على الحق لا تموت... وإن كنا أصبحنا لا ننتظر من واقعنا ولا أحداث حياتنا الكثير وربما ولا حتى القليل..
لكن سبيلاً آخر غير المفاوضات والكلام ربما هو ما يبهرنا ونعلق عليه آمالنا، تماماً مثلما حدث فى أسطول الحرية... حين أبهرتنا فكرة البطل الذى يفعل ما نتمناه ولا نستطيعه.
كنت قد قرأت تصريحا ًللشيخ يوسف القرضاوى يقول فيه إننا بحاجة إلى إردوجان فى كثير من البلاد الإسلامية...

فالموقف التركى إزاء دعم غزة والصمود الفلسطينى لم يدع مجالاً لأحد إلا أن يحترمه و يعجب به وإن أظهر غير ذلك.. على الأقل المواقف المعلنة للسياسة التركية الخارجية بخصوص هذا الملف وبغض النظر عن اللقاءات التركية الإسرائيلية التى تمت أو تتم فى تكتم ويعلن عنها أو تعرف بعد ذلك، فتركيا تلعب سياسة فى النهاية، وليس معنى الدعم والمواقف القوية أن تتخلى عن أجندتها السياسية التى من حقها أن تكون لديها ولا عن مصالحها ولا عن شعرة معاوية بينها وبين من تريد.

إردوجان إذن هو البطل الجديد لا على المستوى الشعبى فقط وهذا هو التحول، بعد إشادة شخصيات رسمية متعددة به منها أمين جامعة الدول العربية عمرو موسى وهو كذلك رمز الحلم الإسلامى بعد أن بات الحلم العربى أمراً بعيد الاحتمال والمنال وباتت الشعوب العربية تفتش عن الحلم أو حتى عن أثر له باحثين عن البطل الذى يحقق لهم آمالهم أو يساعدهم عليها، ففكرة المهدى المنتظر والمسيح المخلص أو عودة صلاح الدين بجيوشه لتحرير بيت المقدس باتت تسيطر على وجدان الناس كبيرهم وصغيرهم بعد أن فقدوا الأمل أو باتوا إلى ذلك أقرب فى إصلاح حياتهم بأنفسهم أو بما فى حياتهم من مقومات.

ولعل ما قاله القرضاوى باحتياج الناس لإردوجان فى كل بلد مسلم هو محاولة لإثارة الغيرة لدى الحكام العرب والمسلمين كى يضطلع أحدهم ليأخذ ذات المكانة فى نفوس الناس ويقطع ليلاً طويلاً من السكون والسلبية ، أو لعل الشيخ مثله مثل الملايين يحلم بالبطل المنتظر الذى يتبدل اسمه وملامحه وأدواته لكن يبقى فكرته ومفهومه.

إن فكرة البطل المنقذ تتكرر فى كل الأزمان وعلى كل المستويات، فاليأس من تغيير الواقع أصبح سمة تتسلل بسهولة إلى نفوس الناس لأنه اشترى لنفسه مكاناً فى ضمائرهم، ولعل استمرار تيار مثل التيار الناصرى بعد رحيل الرئيس جمال عبد الناصر بأربعين عاماً هو نوع من ذلك التعلق بالحلم الذى حلم به الكثيرون.. أن يكون الإنسان العربى موجوداً فاعلاً ومؤثراً ولو حتى بالكلمات، ورغم أن عصر عبد الناصر لم يكن بأفضل العصور لا اقتصادياً ولا سياسياً، إلا أن استمرار الناصرية قد يكون أقرب إلى الالتفاف حول الحلم وإن رحل.

ويبدو أن المسألة ليست قاصرة علينا فقط نحن العرب لكنها قاسم مشترك بين الشعوب الفقيرة والمطحونة والمغلوبة على أمرها، فالحلم الذى رحل لديهم هو تشى جيفارا رمز النضال و الحرية الذى ما يزال موجوداً فى و جدان الكثيرين ، كذلك على حوائط غرفهم و ال "تى شيرتات" التى يرتدونها، فليس مستغرباً أن تجد حتى فى دولنا كثيرين من الشباب يرتدون قميصاً طبع على ظهره وجه جيفارا وإن كان معظمهم لا يعرفونه وإن أعطيتهم اختيارات للإجابة فربما سيختارون أنه كان لاعب كرة قدم أسطورى، ببساطة.. إنه الحلم.

ولعلنا إذا سألنا أنفسنا لماذا جاءت استجابة الكثيرين فى مصر للدكتور محمد البرادعى دون أن يعرفوا عنه الكثير لاتضحت الصورة أكثر، فالبرادعى فكرة فى أذهان هؤلاء، ولست هنا فى معرض الحديث عن الرجل نفسه، اتفاقاً أو اختلافاً... لكن رد فعل الناس إزاء وجود شخصية مثل دكتور البرادعى، فالأمر لم يبتعد كثيراُ عن كونه تعلقاً بالقشة قبل الغرق فى بحر اليأس، ولا أحد دخل فى نية الرجل هل ينتوى الترشح حقيقة للرئاسة – إذا وجد الفرصة أساساً – أم أنه فقط أراد أن يفتح الباب للأمل ولإمكانية التغيير أياً كان شكل هذا التغيير.

ولعل أقلام الصحافة الحكومية التى لم تتوان عن توجيه الاتهامات والنقد اللاذع للبرادعى هى نفس الأقلام التى كتبت فى السابق المديح فى ابن الوطن البار الذى شرف مصر على المحافل الدولية، مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذى حصل على جائزة نوبل للسلام وكرمته مصر لتميزه وقدره.

فلعل أقلام الصحافة تلك هى التى تؤكد تميز الشخص محل النقد، واعتاد الناس وفهموا، بل وربما أصبح لديهم دافع من العند كما يفعلون مع الحكومة، فإذا هوجم شخص بشدة فمعناه أنه يحمل الأمل أو حتى التشفى، فيلتفون حوله ويتعلقون به ويصير أملهم، فالرسالة أصبحت عكسية... فلو أنهم امتدحوه وزادوا فى امتداحه لظن الناس أنه على الجانب الآخر وانفضوا من حوله.

ومثل ذلك فعلوا مع إردوجان الذى عزفت كلماته ومواقفه على وتر اشتاقت إلى سماعه الشعوب العربية حين هدد رئيس الوزراء التركى بقطع العلاقات مع إسرائيل مطالباُ إياها بالاعتذار الرسمى بعد أن تضامنت تركيا بقوة مع غزة لكسر الحصار عليها فى إطار أسطول الحرية، أصبح إردوجان هدفاً منصوباً لسهام أقلام الكثيرين الذين عادوا بأقلامهم إلى تاريخ الخلافة العثمانية مشككين فى النوايا الحقيقية التى تحرك الجمهورية التركية فى سياستها الخارجية... وسواء أكان ذلك أم تلك فإردوجان اتخذ موقفاُ لم يقدم الكثيرون على مثله، لقد جازف بإغضاب المارد العالمى الذى يحظر المساس به وإلا فليأذن بحرب من حلفاء إسرائيل وبفتح باب معاداة السامية وما أدراك ما معاداة السامية.

المسألة ليست إردوجان ولا البرادعى ولا المهدى المنتظر، بل هى رغبة فى تغيير الواقع، فالمواطن هو نفسه فى كل مكان فى مصر أو أى مكان آخر، ربما لا يعنى كثيراً بالسياسة ومن يفعل ماذا، لكنه يعنى حقيقة باحتياجاته الأساسية، وحين أقول احتياجاته الأساسية فهذا لا يعنى المأكل والمشرب والمسكن فقط... لكن الحلم احتياج أساسى، والشعور بالأمان احتياج أساسى، والعدل احتياج أساسى، والكرامة احتياج أساسى... إنها احتياجات أساسية لكل البشر على السواء، فالشعارات والكلمات المعبرة عن تلك الأمور كانت تفى بالغرض منذ سنوات، لكن مع تنامى الوعى وقدرة الناس على الفهم صاروا يعرفون أن الكلام يظل غير ذى معنى ما لم يصدقه العمل، حتى يجد المواطن الرصيف ليسير عليه والرغيف، ويعيش دون طوارئ، وحين يسافر فيقول أنا مصرى فيرى لمعة فى عيون الآخرين كما كانت أجيال المصريين السابقة تراها فى احترام وإعجاب الآخرين لهم حين يقابلونهم، حينها ستختفى فكرة الحلم بالبطل والمهدى المنتظر وإردوجان، لأن ساعتها البطل والمهدى المنتظر سيعيش داخل كل فرد منا فى أى مكان.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة