الشيخ محمد حسان يكتب لـ«اليوم السابع»: لم يجبر المسلمون أى طائفة من اليهود أو النصارى على اعتناق الإسلام

الجمعة، 27 أغسطس 2010 01:55 ص
الشيخ محمد حسان يكتب لـ«اليوم السابع»: لم يجبر المسلمون أى طائفة من اليهود أو النصارى على اعتناق الإسلام

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
◄◄ حين اشتكت امرأة قبطية من عمرو بن العاص بأنه ضم بيتها للمسجد أمره عمر بن الخطاب بأن يعيد بناءه لصاحبته
◄◄ الدعاء لغير المسلمين وفق ضوابط الشرع من أعظم صور التسامح فى الإسلام


صور من سماحة الصحابة والتابعين فى معاملة غير المسلمين تقدم القول بأن تاريخ الإسلام شاهد على أن المسلمين لم يكرهوا أحدا فى أى فترة من فترات التاريخ على ترك دينه، فالإسلام دين العقل والفطرة ولا يقبل من أحد أن يدخله مكرها، تحدى الأولين والآخرين بمعجزته الخالدة، ولم يعرف فى تاريخ المسلمين الطويل أنهم ضيقوا على اليهود والنصارى أو غيرهم أو أنهم أجبروا أحدا من أى طائفة من الطوائف اليهودية أو النصرانية على اعتناق الإسلام. يقول توماس آرنولد: «لم نسمع عن أية محاولة مدبرة لإرغام غير المسلمين على قبول الإسلام أو عن أى اضطهاد منظم قصد منه استئصال الدين المسيحى».

لقد كان عهد الخلفاء الراشدين امتدادا لعهد النبى صلى الله عليه وسلم، وشهد صورا من سماحة الإسلام فى معاملة غير المسلمين من إعانتهم بالمال أو النفس عند الحاجة، ومن كفالة العاجز منهم عن العمل أو كبير السن، وغير ذلك. وهذا هو ما سار عليه الخلفاء الراشدون رضى الله عنهم فى صدر الإسلام فى معاملتهم لأهل الذمة، وأسوق هنا بعض الشواهد والأمثلة التى تبين سماحة الصحابة رضى الله عنهم فى معاملة غير المسلمين. فى خلافة أبى بكر رضى الله عنه كتب خالد بن الوليد رضى الله عنه فى عقد الذمة لأهل الحيرة بالعراق- وكانوا من النصارى-: «وجعلت لهم أيما شيخ ضعف عن العمل، أو أصابته آفة من الآفات أو كان غنيا فافتقر وصار أهل دينه يتصدقون عليه طرحت جزيته وعِيل من بيت مال المسلمين هو وعياله».

إن الذين يسعون إلى تقرير التكافل الاجتماعى وبيان صوره لن يجدوا أعظم من هذه الصورة فى الإسلام مع مخالفيه، فهو يتسامى بمن يعيشون فى كنفه ويحوطهم برحمته وإحسانه عندما يحتاجون إلى مواساة لأى سبب من الأسباب، بل يجعلهم عيالا على بيت مال المسلمين، ويرضخ له منه أيا كانت ديانتهم.

إن التكافل الاجتماعى فى الإسلام لا يرضى أن يذل رجل من أهل الذمة وهو يحيا فى كنف الإسلام، فيعيش على الصدقة يتكفف الناس، ولكن الإسلام يحميه ويكرمه ويوجب على الدولة أن تعوله وتعول عياله.

وكان أبوبكر رضى الله عنه يوصى الجيوش الإسلامية بقوله: «وستمرون على قوم فى الصوامع رهبانا يزعمون أنهم ترهبوا فى الله فدعوهم ولا تهدموا صوامعهم».

وحين اشتكت إليه امرأة قبطية من عمرو بن العاص الذى ضم بيتها إلى المسجد أرسل إليه عمرو وسأله عن ذلك، فقال إن المسجد ضاق بالمسلمين ولم أجد بدا من ضم البيوت المحيطة بالمسجد وعرضت على هذه المرأة ثمنا باهظا فأبت أن تأخذه فادخرته لها فى بيت المال وانتزعت ملكيتها مراعاة للمصلحة العامة، لكن الفاروق عمر أمره بأن يهدم هذا الجزء الذى للمسجد ويعيد بناءه كما كان لصاحبته.

وهذا خالد بن الوليد رضى الله عنه يصالح أهل الحيرة ويكتب فى كتاب الصالح «وجعلت لهم أيما شيخ ضعف عن العمل أو أصابته آفة من الآفات أو كان غنيا فافتقر وصار أهل دينه يتصدقون عليه طرت جزيته وعيل من بيت مال المسلمين».

وأوصى عمر رضى الله عنه الخليفة من بعده بأهل الذمة أن يوفى لهم بعهدهم وأن يقاتل من ورائهم وألا يكلفوا فوق طاقتهم.

ومر عمر بن الخطاب رضى الله عنه بباب قوم وعليه سائل يسأل «شيخ كبير ضرير البصر»، فضرب عضده من خلفه وقال: من أى أهل الكتاب أنت؟ قال: يهودى، قال: فما ألجأك إلى ما أرى؟ قال: أسأل الجزية والحاجة والسن، قال: فأخذ عمر بيده وذهب به إلى منزله فرضخ له بشىء من المنزل ثم أرسل إلى خازن بيت المال فقال: انظر هذا وضرباءه فوالله ما أنصفناه أن أكلنا شبيبته ثم نخذله عند الهرم (إنما الصدقات للفقراء والمساكين) والفقراء هم المسلمون، وهذا من المساكين من أهل الكتاب، ووضع عنه الجزية وعن ضربائه.

إن السماحة فى المعاملة يجب أن تكون فى ضوء ضوابط الشرع ومقاصده، ومثل ذلك يتطلب أن يكون المسلم على بصيرة بهدى النبى صلى الله عليه وسلم وسلف الأمة من الصحابة والتابعين فى هذا الشأن. فمن صور السماحة فى المعاملة ما روى عن عمر رضى الله عنه أنه لما قدم الجابية من أرض الشام استعار ثوبا من نصرانى فلبسه حتى خاطوا قميصه وغسلوه وتوضأ من جرة نصرانية، وصنع له أهل الكتاب طعاما فدعوه فقال أين هو؟ قالوا: فى الكنيسة فكره دخولها وقال لعلى رضى الله عنه: اذهب بالناس فذهب على رضى الله عنه بالمسلمين فدخلوا فأكلوا وجعل على رضى الله عنه ينظر إلى الصور وقال: ما على أمير المؤمنين لو دخل فأكل.

ومن السماحة أن يراعى فى معاملتهم كل مصلحة وقصد صحيح فعن عبدالله بن قيس قال: كنت فيمن تلقى عمر بن الخطاب مع أبى عبيدة مقدمه من الشام فبينما عمر يسير إذ لقيه (المقلسون) وهم قوم يلعبون بلعبة لهم بين أيدى الأمراء إذا قدموا عليهم بالسيوف والريحان فقال عمر رضى الله عنه: مه ردوهم وامنعوهم، فقال أبو عبيدة: يا أمير المؤمنين هذه سنة العجم أو كلمة نحوها، وإنك إن تمنعهم منها سروا أن فى نفسك نقضا لعهدهم فقال: دعوهم، عمر وآل عمر فى طاعة أبى عبيدة.

وصلى سلمان وأبوالدرداء رضى الله عنهما فى بيت نصرانية فقال لها أبوالدرداء رضى الله عنه: هل فى بيتك مكان طاهر فنصلى فيه؟ فقالت طهرا قلوبكما ثم صليا أين أحببتما، فقال له سلمان رضى الله عنه: خذها من غير فقيه.

وجاء فى صفة الصفوة أن عمر بعث عميرا عاملا على حمص فمكث حولا لا يأتيه خبره ولم يبعث له شيئا لبيت مال المسلمين، فقال عمر لكاتبه: اكتب إلى عمير فوالله ما أراه إلا قد خاننا إذا جاءك كتابى هذا فأقبل وأقبل بما جبيت من فىء المسلمين حين تنظر فى كتابى هذا. فأخذ عمير - لما وصله كتاب عمر - جرابه فوضع فيه زاده وقصعته وعلق إداوته وأخذ عنزته، ثم أقبل يمشى من حمص حتى قدم المدينة فقدم وقد شحب لونه واغبر وجهه فدخل على عمر فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله قال عمر: ما شأنك؟ قال: ما ترانى صحيح البدن ظاهر الدم، معى الدنيا أجرها بقرونها؟ قال عمر: وما معك؟ وظن عمر أنه جاءه بمال. قال: معى جرابى أجعل فيه زادى، وقصعتى آكل فيها وأغسل فيها رأسى وثيابى، وإداوتى أحمل فيها وضوئى وشرابى، ومعى عنزتى أتوكأ عليها وأجاهد بها عدوا إن عرض لى، فوالله ما الدنيا إلا تبع لمتاعى. وسأله عمر عن سيرته فى قومه وعن الفىء فأخبره، فحمد فعله فيهم ثم قال: جددوا لعمير عهدا.

قال عمير: إن ذلك شىء لا أعمله لك ولا لأحد بعدك، والله ما سلمت بل لم أسلم، لقد قلت لنصرانى: أخزاك الله، فهذا ما عرضتنى له يا عمر، وإن أشقى أيامى يوم خلفت معك. لقد عظم على عمير قوله لرجل من غير المسلمين: أخزاك الله، وهو دعاء، وما ذكر خطأ اقترفه فى ولايته على حمص أعظم من هذا، وفى ذلك دليل على أن هذا الدين ما جاء إلا بالرحمة والهداية، وإنقاذ البشر من الضلال إلى الهدى ومن ظلمات الكفر إلى نور الطاعة، ولا عجب، فمن مدرسة النبوة تخرج هذا الصحابى وغيره، ممن لا يؤذون الناس بل يغمرونهم بعطفهم ورحمتهم وسماحتهم وإحسانهم، ولذا قال عنه عمر: إنه نسيج وحده، وقال: وددت أن لى رجلا مثل عمير بن سعد أستعين به على أعمال المسلمين.

إن الدعاء لغير المسلمين وفق ضوابط الشرع من أعظم صور التسامح فى الإسلام ومن محاسنه الكبرى التى تنظر إلى الإنسان نظرة تكريم وعناية، وفى الدعاء استمالة ظاهرة لقلب المدعو، فكل أحد يتمنى من الناس الدعاء له بالخير، ومن هنا قال ابن عباس رضى الله عنه: لو قال لى فرعون: بارك الله فيك قلت: وفيك، وفرعون قد مات.

وعن مجاهد، قال: كنت عند عبدالله بن عمرو رضى الله عنه وغلامه يسلخ شاة فقال: «يا غلام إذا فرغت فابدأ بجارنا اليهودى، فقال رجل من القوم: اليهودى أصلحك الله؟ قال: «سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يوصى بالجار حتى خشينا أو روينا أنه سيورثه».
وفى خلافة عمر بن عبدالعزيز رحمه الله كتب إلى عدى بن أرطاة: وانظر من قبلك من أهل الذمة قد كبرت سنه وضعفت قوته وولت عنه المكاسب فأجر عليه من بيت مال المسلمين ما يصلحه.

وهذا لون من السماحة فى المعاملة والعدل الذى لا يعرف له وجود إلا فى الإسلام لأنه قائم على احترام الإنسانية ومعرفة حقوقها.

وعندما أمر عمر بن عبد العزيز رحمه الله مناديه ينادى: ألا من كانت له مظلمة فليرفعها، قام إليه رجل ذمى من أهل حمص فقال: يا أمير المؤمنين أسألك كتاب الله، قال: وما ذاك؟ قال: العباس بن الوليد بن عبدالملك اغتصبنى أرضى. والعباس جالس، فقال له عمر: يا عباس ما تقول؟ قال: نعم أقطعنيها أمير المؤمنين الوليد وكتب لى بها سجلا، فقال عمر: ما تقول يا ذمى؟ قال: يا أمير المؤمنين أسألك كتاب الله تعالى، فقال عمر: نعم كتاب الله أحق أن يتبع من كتاب الوليد قم فاردد عليه ضيعته، فردها عليه.

وفى عهد الرشيد كانت وصية القاضى أبى يوسف له بأن يرفق بأهل الذمة، حيث يخاطبه بقوله: «ينبغى يا أمير المؤمنين أيدك الله أن تتقدم فى الرفق بأهل ذمة نبيك وابن عمك محمد صلى الله عليه وسلم والتفقد لهم حتى لا يظلموا ولا يؤذوا ولا يكلفوا فوق طاقتهم ولا يؤخذ من أموالهم إلا بحق يجب عليهم».

شهادة غير المسلمين بسماحة المسلمين
بمثل هذه المعاملة ساد المسلمون الأوائل وكانت معاملتهم محط إعجاب مخالفيهم، فشهدوا لهم بالسمو فى أخلاقهم والتسامح فى معاملتهم، وهو ما سأعرض له فى المبحث التالى.

سماحة الإسلام فى المعاملة فى كتابات غير المسلمين منذ فجر الدعوة الإسلامية كانت شهادة خصومها ظاهرة بينة، إذ رأوا من سماحة هذا الدين وتيسيره ما بهر عقولهم وأخذ بألبابهم ورأوا من سلوك أهله ما دعاهم إليه، فاستجابت نفوس الكثيرين إليه وإلى أهله وإن لم يؤمنوا به، فدون التاريخ شهاداتهم له ولأهله بحسن المعاملة والسماحة العظيمة.

فمن ذلك ما كتبه نصارى الشام فى صدر الإسلام حيث كتب النصارى فى الشام سنة 13هـ إلى أبى عبيدة بن الجراح رضى الله عنه يقولون: «يا معشر المسلمين أنتم أحب إلينا من الروم وإن كانوا على ديننا أنتم أوفى لنا وأرأف بنا وأكف عن ظلمنا وأحسن ولاية علينا». واستمر هذا النهج فى معاملة غير المسلمين عبر تاريخ الإسلام.

ففى الوقت الحاضر يعيش طوائف عديدة من النصارى فى بلاد الشام ومصر وبلاد المغرب العربى وهو شاهد على سماحة الإسلام جعلت المستشرق الإنجليزى توماس آرنولد يقول:
«إن العرب المسيحيين الذين يعيشون فى وقتنا هذا بين جماعات مسلمة لشاهد على هذا التسامح».

ويقول أيضا: «لما كان المسيحيون يعيشون فى مجتمعهم آمنين على حياتهم وممتلكاتهم ناعمين بمثل هذا التسامح الذى منحهم حرية التفكير الدينى تمتعوا، خاصة فى المدن بحالة من الرفاهية والرخاء فى الأيام الأولى من الخلافة».






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة