الجماعة والدولة.. كيف أصبح مسلسل «الجماعة» دعاية للإخوان؟ وكيف تتحول هجمات صحف الحكومة عليهم إلى تعاطف شعبى؟

الجمعة، 27 أغسطس 2010 01:59 ص
الجماعة والدولة.. كيف أصبح مسلسل «الجماعة» دعاية للإخوان؟ وكيف تتحول هجمات صحف الحكومة عليهم إلى تعاطف شعبى؟
محمد الدسوقى رشدى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
◄◄ مسلسل «الجماعة» نموذج للارتباك الذى تتعامل به الدولة مع الإخوان وكيفية تحول الخطط الأمنية من تقليم أظافر الجماعة ومحاصرتها شعبيا إلى منحها قوة بلا حساب

كل هذا الصخب وكل هذا الجدل الدائر حول مسلسل «الجماعة» لمصلحة من ؟

أعرف أن هذا السؤال الذى ولد مع ظهور سيناريو مسلسل «الجماعة» الذى كتبه وحيد حامد إلى النور أصبح هو الأشهر الآن، ولا أعتقد أن سؤالا آخر يشغل بال العقل السياسى المصرى أو حتى عقل المواطن الحريص على متابعة الأمور أكثر من هذا السؤال، راجع الصحف فى شهورها الأخيرة وركز مع برامج التوك شو، وتابع المعارك الدائرة على المنتديات والمواقع الإلكترونية وعلى رأسها «الفيس بوك» طبعا، وستعرف أنه لا شىء يعلو فوق صوت أى نقاش دائر حول مسلسل «الجماعة»، وخلف كل نقاش ونقاش ستجد السؤال الرئيسى (لمصلحة من عرض المسلسل الآن بتلك الصورة؟) حاضرا بقوة، ولكى تحصل على إجابة لهذا السؤال ستجد أمامك فرصة للاختيار بين ثلاث إجابات شارك فى طرحها صناع المسلسل وجماعة الإخوان وأهل النخبة والمتابعون من ذوى الاهتمامات المختلفة..

صناع المسلسل وكاتبه يلجأون إلى نفى مصطلح المصلحة من المسألة كلها، ويؤكدون على أن المسلسل هو عمل درامى لا غرض له ولا مصلحة، ومايراه الإخوان تحاملا سيبقى فى النهاية وجهة نظر درامية للكاتب وحيد حامد، وعلى مقربة من تلك الإجابة ستجد قطاعا آخر من أهل النخبة والثقافة وأهل الحكومة والسلطة يؤكد أن غضب الإخوان من المسلسل لا مبرر له، لأن هذا هو تاريخهم الحقيقى نقله الكاتب الكبير وحيد حامد بكل أمانة ودقة، وقد حان الوقت ليعرف الناس فى شوراع المحروسة حقيقة الجماعة المحظورة، وعلى يسار هذا وذاك تأتى الإجابة الثالثة على سؤال لمصلحة من عرض مسلسل «الجماعة» فى هذا التوقيت وبتلك الصورة؟
والإجابة الثالثة هنا تخص الإخوان المسلمين ومعهم عدد لا بأس به من أهل المعارضة، وهؤلاء يرون فى المسلسل حالة تربص واضحة بالجماعة وحالة تزييف لا ريب فيها لتاريخها وتاريخ رموزها.. هكذا يرى الإخوان المسلسل وثيقة مزيفة كتبها مؤلف مشهور عنه عداوته للجماعة، وحولها إلى مسلسل درامى تحمست الدولة لعرضه فى الموسم الرمضانى الأعلى مشاهدة لضرب الإخوان فى مقتل قبل الانتخابات البرلمانية القادمة.



الإجابات الثلاث السابقة اختلطت وامتزجت وارتبكت بعد الأيام العشرة الأولى من شهر رمضان الكريم، أى بعد عرض 10 حلقات كاملة من المسلسل على الجمهور، وبدأت تظهر نغمة جديدة للإجابة أعاد الإخوان المسلمون ترتيبها، وأكدها الكثير من أهل الإعلام والسياسة والثقافة من داخل الحزب الوطنى ومن خارجه، وهذه الإجابة تعزف على نغمة السحر الذى انقلب على الساحر، وأن التأثير الذى كان يهدف مسلسل «الجماعة» لزرعه فى نفوس الناس تغير بنسبة 180 درجة ليتحول من التشويه وفض الناس عن الإخوان إلى دعاية للجماعة التى انطفأت شمعتها فى الشهور الأخيرة، وتعاطف جميع الناس حولها مرة أخرى مثلما حدث قبل انتخابات 2005، حينما رفعت الدولة موجة الهجوم على الإخوان فى التليفزيون المصرى وصحف الحكومة، وجاءت النتيجة بأثر عكسى منح الإخوان 88 مقعدا فى البرلمان، والمزيد من التعاطف الشعبى.

قيادات الإخوان تصدق تلك الإجابة وتروج لها، والكثير من أهل النخبة يرونها أمرا واقعا وإجابة مقبولة، ويدللون على ذلك بما تفيض به المواقع والمنتديات الإلكترونية من تعاطف مع الجماعة وسخرية من المسلسل والترويج لفكرة وجود نظرية المؤامرة خلف عرضه فى هذا التوقيت وصناعته بهذا الشكل المضاد للجماعة على طول الخط، وطبعا أنت لست فى حاجة لأن أذكرك بأن أهل صحف الحكومة وأهل السلطة يروجون لعكس ذلك، ويؤكدون أن المسلسل كشف جماعة الإخوان المسلمين على حقيقتها أمام المواطن العادى..


تعال نتوقف كثيرا عن الخوض فى تفاصيل المسلسل والبحث عن إذا ما كان تأثيره قد انعكس لمصلحة الإخوان أم لا؟

ونؤكد أن المسلسل بلا شك أعاد اسم الجماعة للظهور مرة أخرى بعد فترة عصيبة عاشها الإخوان المسلمون بين خلافات داخلية قاربت من تشويه صورة الجماعة المنظمة التى تحكمها الشورى، وبين ظهور البرادعى، والحملات المتبادلة بين أنصار جمال مبارك وأيمن نور، والتى اختفى بين صخبها صوت الإخوان وتواجدهم على الساحة السياسية.



سياسيا ألا ترى أن هذا الطرح المكثف لاسم الإخوان وفكرهم ورموزهم شىء يصب فى مصلحة الجماعة فى تلك المرحلة التى كادت تتراجع فيها إلى الصف الثالث فى كتيبة المعارضة أمام زخم تأييد النخبة للبرادعى وحماس الخارج له، وصخب ظهور السيد البدوى بقنواته وأمواله فى حزب الوفد، ومشاكسة وإثارة حملات أيمن نور وجمال مبارك بما تحتوى عليه من أشياء مضحكة وشعارات الشنب ومقاس مصر وغيره؟
الإجابة التى تقول هنا نعم تدفعنا لأن نسبق الأحداث بخطوة ونتخذ من الحالة التى أثارها مسلسل «الجماعة» نموذجا للارتباك الذى تتعامل به الدولة مع جماعة الإخوان المسلمين، نموذجا للارتباك الذى يدفع الدولة للإقدام على خطوات هدفها تقليم أظافر الجماعة ومحاصرتها شعبيا، ولكن سرعان ماتتحقق أهداف عكس التى تتمناه الدولة وتمنح الجماعة الكثير من التعاطف أو إعادة الانتشار أو التأكيد على وجودها القوى فى الساحة السياسية.

تعال نراجع معا أغلب الخطوات السياسية التى اتخذتها الدولة ضد جماعة الإخوان فى الفترة الأخيرة لنكتشف أن ارتباك الدولة فى مواقفها وفى الخطوات الأمنية أو الإعلامية أو السياسية التى تتخذها ضد الجماعة تمنح الإخوان المسلمين المزيد من القوة، وتعطيهم الكثير من الحلول فى أوقات يعجزون هم فيها عن إيجاد حلول لمشاكلهم الداخلية الكبيرة فى قلب الجماعة.

راجع حملات الاعتقالات فى السنوات الأخيرة، وإصرار صحف الحكومة على إطلاق وتعميم ونشر لفظ «المحظورة» و فرد صفحات ومساحات كبرى لشتم وسب وتشويه كل ماهو إخوانى، والإجراءات الاستثنائية التى تقوم بها الدولة وأجهزة الأمن مع كل انتخابات يشارك فيها الإخوان حتى لو كانت انتخابات اتحاد الطلبة.. راجع كل هذه الخطوات والحملات الحكومية لتكتشف بنفسك كيف كونت كل هذه الإجراءات الأمنية الاستثنائية التى تتخذها الدولة فى فترات الانتخابات ضد الإخوان صورة ذهنية فى عقل المواطن المصرى عن قوة الجماعة، بدليل أن النظام الذى يدعى ضعفها يرتبك ويقف على ساق ويحرك أجهزته الأمنية بترتيبات استثنائية من أجل مواجهة مرشحيها فى أقاليم مصر المختلفة.

الإخوان يرون فى خطوات الدولة وأجهزة الأمن التى تنقلب غالبا لتصب فى صالحهم أمرا إلهيا وعملا ربانيا يحافظ على مسيرة الجماعة ودعوتها، وهو أمر فيه الكثير من المبالغة، لأن السبب الحقيقى يكمن فى النظام الحاكم والحزب والوطنى وأجهزته التى لم تتعلم من تكرار أخطائها فى التعامل مع الجماعة، فعلى الرغم من أن لعبة حملات الاعتقال المستمرة والواسعة والتى يخرج منها الإخوان بقصص عن اقتحام البيوت وانتهاك حرماتها أثبتت فشلها وتأكد الجميع من أنها ترفع من مستوى التعاطف الشعبى مع الجماعة التى يراها الناس فى فترة الاعتقالات فئة مضطهدة تجد وزارة الداخلية مستمرة فى لعبة الاعتقالات هذه دون أن تضع فى حساباتها أى عوامل إعلامية أو زمنية، فتأتى أغلب حملات الاعتقال لتزيد من قوة الجماعة شعبيا وتنظيميا، وربما تكون حملة الاعتقالات الواسعة التى جرت فى أوائل هذا العام خير نموذج على ما تفعله الدولة لصالح الإخوان، ففى الوقت الذى كانت فيه أوصال الجماعة تتقطع بسبب خلافات داخلية حادة حول تسمية المرشد الجديد وأعضاء مكتب الإرشاد، وفى الوقت الذى بدأ الناس فيه يتشككون فى قدرة الجماعة التنظيمية وزهد قادتها فى المناصب، تحركت أجهزة الأمن لكى تعتقل نائب المرشد الأول محمود عزت وعبدالمنعم أبوالفتوح وعددا آخر من القيادات لينصرف الإعلام والناس عن المشكلة الحقيقية، ويتوحد صف الجماعة من جديد لمواجهة حملة الاعتقالات. وفى الوقت الذى يشيد فيه الجميع بأصوات الاعتدال داخل الجماعة متمثلة فى عبدالمنعم أبوالفتوح، قائد التيار الإصلاحى داخل الإخوان، تفاجئ الدولة الجميع باعتقال الرجل ليخلو منصبه داخل مكتب الإرشاد لصالح واحد من الأجيال القديمة لتخسر الدولة والتيارات السياسية صوتا معتدلا داخل جماعة تشكو الدولة من تطرفها، وبالإضافة إلى ماسبق يمكنك أن تتحدث عن حالة التعاطف الشعبى التى تجلبها الاعتقالات، خاصة أن الإخوان يصدرون للرأى العام دائما أن فكرة صبرهم على بلاء الاعتقال وانتهاك الحرمات هى تبرع منهم لدفع ضريبة النضال عن الوطن كافة.. فمن من البسطاء يرفض التعاطف إذن مع من يدفع ضريبة النضال نيابة عنه؟



نموذج آخر لهذا الارتباك الرسمى الذى يمنح الإخوان قوة ويعيدهم إلى الشارع بأيدى الدولة، وهو لفظ «المحظورة»، هذا اللقب الذى تستخدمه صحف الحكومة والإعلام الرسمى بكثير من الفذلكة، وكأن الناس ستنصرف عن الجماعة بمجرد أن تعرف أنها غير موجودة قانونا، وهو رهان غريب من دولة علمت شعبها عدم احترام القانون أصلا، هذا بخلاف أن مصطلح «المحظورة» الذى تتبعه تأكيدات فى صحف الحكومة على أن الجماعة قلة منحرفة لا وجود لها فى الشارع المصرى أفقد ثقة الناس فى الدولة، وفى كلامها عن الإخوان، فإذا كانت صحف الحكومة تقول إن الجماعة محظورة، بينما المواطن يشاهد بنفسه شعاراتها فى كل مكان، وتنشر الصحف الحكومية والمستقلة أسماء مديرى مكاتبها الإدراية فى كل محافظة، وبالتالى فمن حق أى مواطن ألا يصدق أى كلمة رسمية من الدولة التى ثبت كذبها عن الجماعة.
أمر الإخوان وتواجدهم فى الشارع السياسى والشعبى يتعلق بالدولة وأجهزتها الرسمية، والطرق الخايبة التى تستخدمها فى مواجهة الجماعة أكثر مما يتعلق بيد الإخوان أنفسهم، أعرف أن البعض يؤمن بنظرية الاتفاقيات والصفقات المسبقة بين الجماعة والنظام، وأعرف أن البعض - وأنا منهم - يربط بين حالة ارتباك النظام فى تعامله مع الإخوان، والتى تمنح الإخوان قوة وتواجدا، وبين حاجة النظام لبقاء الجماعة ووجودها كطرف هام فى ديكوره السياسى، ليستخدمهم كفزاعة فى وجه مطالب التغيير المستمرة سواء من الخارج أو الداخل، ولكن تبقى كل هذه التفسيرات بعيدة عن حالة السذاجة المفرطة التى تتعامل بها أجهزة الدولة مع الإخوان، كأن أهل السلطة والحزب الوطنى لم يعرفوا حتى الآن أن العامل الأساسى لتعاطف الناس مع الجماعة هو إصرار الناس على معاندة الحكومة ونظام الحكم الذى يكرهونه، وبالتالى واضح جدا أن أحدا من جهابذة الحكم فى مصر لم يدرك بعد أنهم كلما تمادوا فى الاعتقال والضرب وتشويه صورة الجماعة واتخاذ إجراءات أمنية استثنائية ضدها فى الانتخابات، كسب الإخوان أرضية جديدة على خلفية رغبة الناس فى عناد الحكومة، لتساهم الدولة دون أن تدرى فى تضخيم حجم الإخوان إلى الحد الذى قد لم تحلم به الجماعة نفسها، فالجماعة التى كلما سألها أحد عن إنجازاتها وما قدمته للناس تجد بسهولة ردا عبقريا لا يمكن رده وهو التباهى بقدرتها على الحياة أكثر من ثمانين عاما، واحتمال البلاء نيابة عن أهل الوطن، والدعوة، رغم العداء الحكومى والضربات الأمنية المستمرة لتختفى وراء تلك الإجابة أى أسئلة من نوعية ماذا فعلت الجماعة لرد ذلك الأذى وماذا قدمت للتجربة الديمقراطية ومسيرة الإصلاح والمعارضة؟!

«الإخوان» فى دراما التليفزيون والسينما.. أشرار انتهازيون منافقون يتحالفون مع الشيطان من أجل المصلحة
مسلسل «الجماعة».. السحر الذى انقلب على المؤلف والداخلية
جُمل وحيد حامد فى الجماعة «توجع القلب»
فى الداخل دراسات عشوائية لتشويه صورة الجماعة وفى الخارج أبحاث وكتب أمريكية وبريطانية تطالب الغرب بالحوار مع الإخوان
«المحظورة»لقب صحف الحكومة الذى منح الإخوان قوة التواجد وأضاع ثقة الناس فى الدولة
حملات مكررة ترسخ فكرة اضطهاد «الإخوان» والجماعة تستخدمها مبرراً لعدم مشاركتها فى مسيرة الإصلاح








مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة