أثار قرار الرئيس مبارك بحسم إقامة المشروع النووى لمصر بمنطقة الضبعة ارتياح الجميع، خاصة أنه من المنتظر أن يؤمن لمصر مصدراً متجدداً للطاقة بديلاً عن المصادر الناضبة مثل الغاز والبترول.
وتزامن مع إعلان وزير المالية الدكتور يوسف بطرس غالى، أن مصر لديها القدرة الكاملة على تمويل المشروع الذى تبلغ قيمته التقديرية 20 مليار دولار لإقامة 4 محطات نووية بمنطقة الضبعة، تساؤلات حول قدرة الحكومة على تدبير هذا التمويل، خاصة مع إعلان الوزير أن لدينا القدرة على التمويل حتى من خلال الحكومة وحدها.
فيما أكد عدد من الخبراء على صعوبة تمويل البرنامج النووى المصرى، معتبرين أن عملية التمويل تعد أحد أهم العقبات التى تقف فى طريق إتمام المشروع، حيث تصل تكلفة المحطة الواحدة ما يزيد على 5 مليارات دولار، إلا أن مصرفيون أكدوا صعوبة الاعتماد على البنوك المصرية بشكل كلى، خاصة أن حقوق ملكية البنوك لا تسمح للبنوك فى تمويل مشروعات طويلة الأجل إلا بعد أقصى يصل إلى 25%.
وحاول اليوم السابع الحصول على إجابة واضحة حول البدائل التى طرحتها وزارة المالية لتدبير هذا المبلغ، خاصة أن طرح المشروع يبدأ من العام الحالى، إلا أن مسئولى الوزارة رفضوا الإدلاء بأية تصريحات حول هذا الأمر، واكتفى مسئول بارز طلب عدم كشف اسمه بالقول مازحا: "الخير كتير والحمد لله"، مشيراً إلى احتمال فتح اعتماد جديد بمجلس الشعب العام الحالى لتمويل المشروع، دون الإفصاح عن طريقة تدبير موارد مالية لهذا الاعتماد.
الدكتور محمد طه النقلى رئيس هيئة الطاقة الذرية أعرب من جانبه عن فرحته الشديدة بالقرار الرئاسى الذى حسم الجدل الدائر حول مدى صلاحية منطقة الضبعة لإقامة المشروع النووى السلمى، مشيراً إلى أن البدء فى المشروع أمر حتمى لابد منه حتى لو أثقل العبء على موازنة الدولة.
وقال النقلى فى تصريحات خاصة لليوم السابع إن ملف تمويل المشروع فى يد وزير المالية الذى يدرس مجموعة من البدائل لتدبير الموارد المالية المطلوبة، لافتاً إلى أن التكلفة المبدئية لإقامة المحطة الواحدة تقدر بحوالى 5 مليارات دولار.
وأضاف النقلى، أن هناك عدة مقترحات لتمويل المشروع النووى المصرى تتم دراستها أهمها الاكتتاب الوطنى، أو التمويل الذاتى أو الاستعانة بالتمويل الخارجى، وكلها بدائل مأخوذة فى الاعتبار، مؤكداً على أهمية المشروع لمستقبل الطاقة فى مصر، مما يتطلب التكاتف من جميع الجهات لإتمامه.
من جانبه أكد الدكتور رشاد عبده أستاذ الاقتصاد والتمويل الدولى بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة أن إعادة المشروع النووى بعد سنوات من الانتظار أصبح أمراً لا بديل عنه فى الوقت الحالى، خاصة مع حودث انقطاع بالتيار الكهربائى بشكل يومى، مما يؤثر بشدة على مناخ الاستثمار فى مصر لأن الطاقة عصب التنمية على حد تعبيره.
وقال عبده: "آن الأوان لعمل المفاعل النووى مهما كلفنا"، مضيفاً أن مصر لديها رصيد جيد من العملات الأجنبية يمكنها توفير جزء منه وتوجيهه لعمل المحطة النووية، لافتاً إلى أن دخل مصر من السياحة بلغ 12 مليار دولار خلال العام الحالى، كما عادت تحويلات المصريين من الخارج إلى الارتفاع مرة أخرى مسجلة 6 مليارات دولار، بعد موجة من الانخفاض جراء الأزمة المالية العالمية حيث انخفضت من 8 مليارات إلى ما يقرب من 3.25 مليار دولار خلال الفترة الماضية، كما قامت مصر بإصدار أنواع مختلفة من السندات الخارجية خلال الفترة الماضية.
واستطرد عبده، قائلاً: إنه يمكن للحكومة المصرية إصدار سندات دولارية لتمويل المشروع، وهو الاقتراض الأقل تكلفة، مشيراً إلى أن الاقتراض من البنوك سيحمل قدرا أكبر من المخاطرة.
واقترح خبير التمويل الدولى، أن يتم تفعيل قانون الشراكة مع القطاع الخاص الذى وافق عليه مجلس الشعب فى دورته الأخيرة بالمشروع النووى، بحيث يتم تنفيذ المشروع بالمشاركة مع القطاع الخاص من ذوى الخبرة سواء المحلية أو الدولية.
وفيما يتعلق بعنصر السرية فى المشروع فى حالة دخول جهات أجنبية فى التمويل، أوضح عبده أن مصر ستستعين بخبراء اجانب فى هذا المجال، وبالتالى ليس هناك ما يمنع من تنفيذ المشروع بنظام الشراكة مع القطاع الخاص الأجنبى، مشيراً إلى أن هذا النظام يقضى بأن يقوم القطاع الخاص بتنفيذ مشروعات البنية الأساسية ودفع تكلفته بالكامل، ثم تقوم الحكومة بتسديد أقساط سنوية على فترة طويلة تصل إلى 30 عاماً.
وأضاف عبده، أن نظام الشراكة يعطى الحكومة الحق فى اختيار الشريك الذى ترغبه، كما أن من حقها الاعتراض على أى مقاول من الباطن لتنفيذ المشروع دون إبداء الأسباب، كما ان القانون الجديد أعطى الحكومة الحق فى إدارة المشروع أو منح حق الإدارة للقطاع الخاص، وفى هذا المشروع القومى يمكن للحكومة الاحتفاظ لنفسها بحق الإدارة.
وأشار المصرفيون إلى أن البنوك المصرية غير قادرة على تمويل المشروع منفردة، إلا انه يجب الاعتماد عليها بالدرجة الأكبر ثم تتبعها المؤسسات المصرفية الدولية، ولا يمكنها تمويل هذه المشروعات إلا عن طريق عمل تحالفت.
وطرح المصرفيون عدد من البدائل لتمويل المشروع النووى المصرى، عن طريق الاقتطاع من الموازنة العامة للدولة وهو ما يصعب تحقيقه فى الوقت الحالى خاصة مع وجود عجز كبير فى الموازنة العامة للدولة مع عدم قدرة الدولة على تحمل أية نفقات إضافية فى الفترة الحالية، أو الاعتماد على مؤسسات مصرفية خارجية بجانب البنوك المصرية، أو الاقتراض من السوق المحلى عن طريق طرح سندات.
يأتى ذلك بعد إعلان الرئيس محمد حسن مبارك الضبعة موقعاً لأول محطة نووية مصرية لتوليد الطاقة، وطرح المناقصة لإقامة المحطة الأولى قبل نهاية العام الجارى مما يتطلب البحث عن مصادر التمويل.
وأكد حسام ناصر نائب رئيس بنك التنمية الصناعية والعمال صعوبة الاعتماد على البنوك المصرية فى عمليات تمويل المشروع النووى، خاصة لأنه طويل الأجل يستغرق 20 عاماً أو 30 عاماً والبنوك ليس لديها القدرة لذلك.
واقترح ناصر، أن تلجأ الحكومة للاقتراض من مؤسسات دولية بأسعار فائدة منخفضة مثل قروض بنك التنمية الأفريقى، والبنك الدولى أو عن طريق طرح سندات حكومية أو المعانات اليابانية، لافتاً إلى أن الاقتراض من المؤسسات المالية الدولية إذا وافقت على تمويل المشروع جيد خاصة، أن القروض على المشروعات الضخمة تكون قروضاً طويلة الأجل، كما أن هناك مؤسسات إقليمية مصرفية لديها فرص عظيمة للاقتراض منها.
من ناحية أخرى دعا خبراء مصرفيون لتحالف البنوك المصرية لتمويل المشروع مؤكدين قدرة المصارف المصرية على تحمل ذلك، لافتا إلى أهمية تأسيس تحالف مصرفي مصرى لتمويل المشروع، خاصة أن العوائد على تمويل المشروع ضخمة جداً، الأمر الذى يدفع البنوك للتفكير في الأمر.
وقال نائب رئيس بنك التنمية الصناعية والعمال، إن البنوك سوف تشارك فى تمويل المشروع النووى من منطلق رفع التنمية والواجب الوطنى للبنوك ولكن بنسب محدودة، خاصة أن العائد على التمويل غير مجزى، مع ضرورة أن تجد البنوك مصادر أموال طويلة الأجل مثل طرح سندات طويلة الأجل وغيرها من الوسائل الأخرى لتدبير السيولة اللازمة.
واتفقت مع الرأى السابق بسنت فهمى مستشار بنك التمويل المصرى السعودى، والتى أكدت صعوبة قيام البنوك بعملية التمويل، واللجوء بجانب البنوك المصرية إلى المؤسسات الدولية، خاصة أن حقوق ملكية البنوك تمنعها من الدخول بتوسع فى عمليات التمويل، حيث إن حقوق الملكية لا تسمح سوى بحد أقصى 25% وهى نسبه آمنة.
وقالت فهمى، أن الشركات العالمية التى ستقوم بتنفيذ المشروع النووى المصرى سوف تجلب تمويل من البنوك الخارجية، بالإضافة إلى مشاركة البنوك المصرية، ولكن بعد القيام بدراسة مستفيضة لذلك، خاصة مع ارتفاع حجم المخاطرة.
وأكد هشام حسن رئيس بنك تنمية الصادرات، أن الحكومة لم تعرض حتى الآن على البنوك تمويل المشروع النووى، وأن البنوك المصرية قادرة على عمليات التمويل ولكن تتوقف على دراسة كل بنك للمشروع.
وكان طارق عامر رئيس البنك الأهلى المصرى، قد أعلن فى وقتا سابق عن استعداد البنك لتمويل البرنامج النووى المصرى، إذا تقدمت وزارة الكهرباء للبنك بطلب فى هذا الشأن.
كما أبدى حسن عبد الله العضو المنتدب للبنك العربى الأفريقى فى تصريحات خاصة لليوم السابع استعداد البنك الدخول فى تمويل مشروعات الطاقة النووية التى تزمع مصر إقامتها لبناء عدد من المحطات النووية لتوليد الكهرباء والاستخدامات السلمية للطاقة.
وتحتاج مصر ما يقرب من عشرين محطة نووية لتوليد الكهرباء ليصل التكلفة الإجمالية للمشروع إلى 100 مليار دولار.
وتدفع الحكومة المصرية ما يزيد عن أكثر من 80 مليار جنيه دعما سنوياً، ويمكن تخفيض دعم البترول لتمويل المحطة النووية.
وأشار أحمد سليم مدير عام البنك العربي إلى أهمية اعتبار مشروع مصر النووى المشروع القومى الأول، خاصة أن مصر ليس لديها مشروع قومى منذ إنشاء السد العالى، وأنه يجب تكاتف الجهات المصرفية ورجال الأعمال والجهات الاقتصادية كافة للعمل فى المشروع خاصة بعد علم الجميع بأهمية المشروع بالنسبة لمصر.
بعد قرار الرئيس باختيار "الضبعة".. جدل حول تمويل البرنامج النووى .. رئيس هيئة الطاقة يقترح اكتتاب عام.. ومصرفيون يؤكدون صعوبة التمويل المحلى
الخميس، 26 أغسطس 2010 05:55 م
مصدر متجدد للطاقة بديلاً عن المصادر الناضبة مثل الغاز والبترول
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة