الاختلاف له ضريبة سيدفعها مسلسل "بره الدنيا"، فهو يقدم دراما مختلفة تماما لم يعتد المشاهد الرمضانى ربما لأنها شديدة الواقعية إلى درجة قد تصيب المشاهد بالغثيان والاستفزاز، حيث يتعرض لحياة مهاويس الشوارع من خلال شخصية بركات "شريف منير" وشخصية محمد الشقنقيرى، والخلفية الدرامية التى تحملها كل شخصية كما يعرفها على لسان طبيب مستشفى الأمراض النفسية أنهم أناس لم يستطيعوا الكلام عما يضيق بحالهم فانفجروا من الكبت النفسى فهاموا على وجوههم.
ولكن الخوض فى تفاصيل هذه الشخصيات أدى إلى ترديد البعض إلى أن المسلسل يثير قدرا كبيرا من الاشمئزاز خصوصا أننا نرى هذه، فأنت دائما مع هذه الشخصيات بين الخرابات وأكوام القمامة، إلا أنه ورغم تلك الحالة شديدة السوداوية بين هذه الأجواء غير النقية تجد جرعة من المشاعر الإنسانية الرقيقة على عدة أصعدة تبدأ من أولى حلقات المسلسل والعلاقة الإنسانية المليئة بمشاعر الحب بين بركات وزوجته غالية، بعيدا عن الكلمات المعسولة أو العبارات الرنانة، نجد تلك المشاعر فى قلب الزوجة الشغوفة بزوجها حتى أنها تغسل أرجله وتعتنى به فى مرضه وتحضنه مثل أمه، وقد قدمت هذا الدور "أميرة العايدى" بشكل موفق جدا..
أما الموت فيتدخل ليفسد هذه السعادة وتموت غالية فى حضن بركات وعلى الأرض التى دافعا عنها باستماتة، فى مشهد يعتبر من أهم المشاهد التى قدمها شريف منير فى حياته عندما ماتت زوجته فى حضنه وهو فى صراع نفسى يرفض أن يصدق أنها ماتت بعدها يهيم على وجهه مع صديقه محمد الشقنقيرى الذى سبقه فى هذه الحالة من الضياع عقب وفاة ابنه فى حادث سيارة..
أما الأحداث فتأخذ بركات للتعرف على ندى تلك الفتاة الصغيرة التى تقوده الأقدار فجأة لكى يكون مسئولا عنها ونرى فى المشاهد التى تجمع بينهما جرعة كبيرة من المشاعر الإنسانية الجديدة على الدراما بين طفلة ورجل لا يعرفها تربطهما علاقة خاصة من نوع جديد، حتى أنه يخوض الكثير من المخاطر من أجلها حتى تحولت إلى كلمة السر التى تحوله من شخص سلبى هائم على وجهه إلى شخص ثائر قد يرتكب جريمة من أجلها كما فعل مع أحمد زاهر وهو أخيها من الأب عندما قام باختطافها.
هذه المشاعر التى حملها المسلسل أفسدتها سذاجة الإخراج الذى لم يعتن بتقديم أماكن تصوير مقنعة خصوصا ديكور القرية والحجرة التى يعيش فيها بركات على السطوح، فضلا عن ماكياج شريف منير غير المقنع بالنسبة إلى لحيته التى ظهرت مهندمة وملابسه النظيفة، على الرغم أنه من مهاويس الشوارع ومن المفروض أن تكون ملابسه قذرة إلا أننا نراه نظيفا ويحضن الطفلة الصغيرة بلا أى مشكلة، كذلك التطويل الذى جاء به السيناريو الذى كتبه أحمد عبد الفتاح، والذى حمل كثيرا من الملل خصوصا أن النص يحمل روح مسلسل قلب ميت فيما يتعلق بشخصية الزوجة التى تشعر بالتهميش فى حياة زوجها مريم والتى جسدتها فى المسلسلين فوزية ملكة جمال مصر السابقة.