أحزننى أن تأتى صحيفة غير عربية ـ لوس أنجلس تايمز الأمريكية ـ بتقريرعن شهر رمضان فى مصر، والأدهى والأمر أن التقرير مدعم بإحصائيات عدة صادرة عن "مركز بحوث عربى" لايتحدث عن حجم حشود المصلين الذين يؤدون صلاة التراويح، أوعن عادات وتقاليد رمضان فى الإقبال على قراءة القرآن وغيرها من العبادات، والوصال والتراحم، أو التوبة والإقلاع عن ذنوب عام كامل، أو انخفاض وانحسار حجم الجرائم إجلالا لهذا الشهر المبارك. لكن جاء التقرير لينبئنا أن القنوات الأرضية والفضائية فى مصر تتسابق لجذب أكبر عدد من الجماهير من خلال شاشاتها بـ48 مسلسلا ، و48 برنامجًا هى حجم الإنتاج العام والخاص فى رمضان ... ياللعظمة والفخر والامتنان للاهتمام برمضان المبارك بهذه الطريقة المبهجة...
وذكر التقرير ـ تفصيلا ـ كيف أن الناس تسهر أمام التليفزيون حتى إعلاء نداء الفجر مؤذنا بالصلاة... يعنى مفيش شغل مفيش شغل .. مفيش إنتاج مفيش إنتاج .. مفيش عبادة مفيش عبادة .. يحيا الكسل والنوم فى العسل...
ومع هذا الإنتاج الضخم ـ الذى تخطى 150 مليون دولارـ للاستعداد لرمضان تطل علينا واجهة أخرى تخبرنا بأن المقبول للعرض لدى الفضائيات العربية عدد لا يتعدى أصابع اليد الواحدة، وإن كان هذا ينبئ عن شىء فإنما ينبئ عن تدنى المضمون المقدم والقضايا المثارة فى أعمال رمضان هذا العام، وهذا بشهادة النقاد ـ يعنى اللى اتصرف عليها راح .. والأجر عند الله.
بعد عرض جزء من هذا التقرير وإبراز حجم ما أنتج وما أنفق عليه أقول .. والله ثم والله ثم والله ثلاثا متواليات، ما أتى الإسلام بهذه الدعوة التليفزيونية حتى ولو من قبيل "ساعة لقلبك وساعة لربك.. لأن ساعة القلب بقت ساعات .. أما ساعة الرب فالله أعلم بها " .. لكن كانت الدعوة صريحة فى أن تكون الهمم أعلى نشاطا وأكثر إخلاصا وأقرب إلى الله بالنهوض للعمل والسعى على الرزق حتى تلقى الثواب الجزيل المضاعف برحمة الله الكريم فى شهر الخير والمنن.
عفوا أيها التقرير الأمريكانى العزيز مازال فى مصر أناس هم الجانب الآخر الذى لم تذكره وهم الواقع المعيش وليسوا بالقليل؛ إنهم صنفان: أحدهما: ليس لديه وقت للاستمتاع بال48 مسلسلا ومثلها من البرامج؛ لأنه يخرج بعد أذان المغرب و"شق ريقه" ليكمل سعيه لسد حاجات أسرته فى رمضان والحاجات الحلوة اللى جايه بعده" العيد .. المدارس .. وخلافه".
ثانيهما: هناك عدد لابأس به ملتزم بعادات رمضان من صلاة وقيام ودعاء وقراءة قرآن وتزاور للآخرين ومساعدة فى عمل الخير؛ لإدخال البهجة على الأسر التى أكلها العوز والحاجة.. مع أن الكل فى احتياج .. لكن هذه عادات رمضان الحقيقية والتى لاتتوقف عند حيز الأكل والشرب ومتابعة المسلسلات والبرامج والتنعم بالكسل..
فى رمضان ..فى ظل هذا الغياب للدور المصرى الحقيقى وما نعانيه من إجحاف ومظنة سوء من الجميع .. يجب أن نتذكر أعمالا جذبت المشاهد فى أرجاء الأمة العربية سواء تليفزيونية أو إذاعية، وكذلك عظماء أثروا العالم الإسلامى؛ بل وتأسى بهم الكثير عبر سنوات طوال، وسجلوا أعلى نسبة مشاهدة أواستماع منهم على سبيل المثال لا الحصر "الشيخ الشعراوى"، و" الشيخ عبد الباسط عبد الصمد " الذى كان بتلاوته للقرآن وبصوته الرنان العذب يستطيع أن يجمع العالم الإسلامى، وليس الأمة العربية فقط على مائدة عامرة بأجمل الآيات وأحلى النسمات التى تحفها الملائكة ..وناخد حسنات بدل السيئات .. وعلى رأى الفنان المرحوم فؤاد المهندس "مش كده ولاّ إيه؟".
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة