العالم كله يعلم دور مصر الريادى والقيادى فى المنطقة على مر العصور.. ويشهد على ذلك التاريخ.. والمتربصون بمصر يعلموا علم اليقين أن سقوط مصر يعنى سقوط المنطقة بأكملها.. وكان لزاما على أبناء مصر تأمين مصادر القوة لبلدهم فى جميع المجالات.. فقد بدأوا فى وضع الأسس الصحيحة والسليمة لمواكبة التكنولوجيات المتقدمة ومن أهمها التكنولوجيا النووية وتكنولوجيا الفضاء.. ففى الفترة من سنة 1955 وحتى سنة 1963 تم إنشاء لجنة الطاقة الذرية ثم أنشئت مؤسسة الطاقة الذرية ثم تم إنشاء وتشغيل المفاعل البحثى الأول بإنشاص (2 ميجا وات).. ولتكوين كوادر مصرية قادرة على حمل المسئولية النووية فقد أنشئوا قسم الهندسة النووية بجامعة الإسكندرية.
نتيجة هذا الجهد الجبار والذى بذل من أبناء مصر فى هذه الفترة القصيرة جدا جدا.. أصبحت مصر تمتلك كوادر نووية وطنية على قدر عالى من الكفاءة.. هذه الكوادر تستطيع العمل على قدم المساواة مع الدول النووية المتقدمة.. ويشهد على ذلك الجميع.. وفطن إلى ذلك المتربصون بمصر وبدأت المؤامرات والدسائس لقتل هذا المارد فى مهده.. فالتاريخ يذكرهم بالقدرة الجبارة لهذا المارد لو قام مرة أخرى.. فلن يستطعيوا تنفيذ أطماعهم فى المنطقة بأثرها.. وبدأوا فى تنفيذ مخططهم الشيطانى فكان هدفهم كبح طموح الكوادر النووية المصرية وتخريب معامل الأبحاث النووية.. وصنفوا العاملين فى هذا المجال إلى مجتهدين وأفاقين.. فالأفاقين لا غبار عليهم فتركهم فى أماكنهم هو طريق الصواب وحتى يكونوا خميرة للفساد وخميرة للجهل.. وحتى ولو فرض وتتلمذ على أيديهم أحد فسيكون الجهل بعينه.
أما المجتهدين منهم فلابد من أبعادهم عن العمل القائمين به وإخراجهم من معاملهم ومن مراكز أبحاثهم وأبعادهم إلى حيث المؤتمرات والندوات وإلى التدريس فى الجامعة إلى عالم الباوربوينت PowerPoint والآخرين منهم يضيق عليهم الخناق فيذهبوا للعمل بالوكالة الدولية للطاقة الذرية والى الهجرة إلى أمريكا وكندا وأما العلماء المجتهدين والخارجين عن السيطرة مثال الدكتورة / سميرة موسى والدكتور / يحى المشد فمصيرهم القتل.
بالباوربوينت PowerPoint لن نبنى المشروع النووى المصرى.. أعنى لا بكثرة الندوات والمؤتمرات والاجتماعات والمقابلات وكثرة الكلام سوف نمتلك التكنولوجيا النووية.. ولكن بالجهد والعرق نستطيع أن نصل إلى كما كنا من قبل ولنا فى الصين والهند وباكستان مثال.
هذا المخطط الشيطانى استمر، ففى الفترة من سنة 1964 وحتى سنة 1974 طرحت مصر مناقصة لإنشاء محطة نووية لتوليد الكهرباء وتحلية مياه البحر بمنطقة سيدى كرير بالإسكندرية ووصل الأمر إلى إصدار خطاب النوايا للشركة صاحبة الترتيب الأول وهى شركة أمريكية ولكن المحاولة باءت بالفشل ثم حاولت مصر مرة أخرى الحصول محطة نووية أمريكية لتوليد الكهرباء عن طريق طرح مناقصة محدودة بين الشركات الأمريكية فكان مصيرها أيضا الفشل وبعدها توقف المشروع النووى المصرى.
وفى الفترة من سنة 1976 وحتى سنة 1982 استمرت مصر فى تنفيذ واستكمال البنية التحتية للمشروع النووى فتم إنشاء هيئة المحطات النووية والغرض منها إنشاء محطات نووية لتوليد الكهرباء وتحلية مياه البحر وتم إنشاء هيئة المواد النووية والغرض منها البحث والتنقيب عن المواد النووية فى مصر لاستغلالها للمشروع النووى.. وفى هذه الفترة تم التوقف عن العمل فى موقع الزعفرانة وموقع سيدى كرير.. ومن منطلق وفاء مصر بالتزاماتها تجاه حماية أمنها التكنولوجى فقد خصصت أرض الضبعة لهذا العمل الجبار ولبناء صرح تكنولوجى غاية فى التقدم يليق بالمصريين.. وحتى تضمن مصر صيانة مقدراتها الوطنية وحتى لا يدخل المشروع النووى فى دور التهريج أو التمثيل فقد أمنت مصر موقع الضبعة بقرار جمهورى رقم 309 لسنة ١٩٨١ حيث خصصت أرض الضبعة للمشروع النووى المصرى.. كما وضعت مصر فى تخطيطها الاستفادة من هذا المشروع فى مجالات أخرى، فسيقام حول المشروع تجمعات عمرانية سكانية وسياحية ومدن صناعية وزراعية.. فلا تعارض بين المشروع والتجمعات السكانية.. ولنا فى ذلك مثال فجميع دول العالم التى تمتلك مشروعات نووية تتجمع حول هذه المشروعات المدن الصناعية والزراعية وتقام تجمعات عمرانية سكانية وسياحية.. فهل هذه الدول لا تخاف على أبنائها ونحن الوحيدون على مستوى العالم ننفرد ونخاف على أبنائنا من المحطة النووية؟
ثم كانت هناك محاولة جريئة من مصر مع دولة فرنسا للحصول على مفاعلين نووين قدرة الواحد 900 ميجاوات حتى وصل الأمر إلى أن قامت الحكومة الفرنسية بتمويل منحة دراسية للغة الفرنسية للكوادر الفنية بهيئة المحطات النووية.. وأنا كنت أحد الكوادر التى حضرت هذه المنحة.. ولكن المشروع توقف بقدرة قادر وتحول إلى مناقصة عامة عالمية.. ففى سنة 1983 تم طرح مناقصة عامة عالمية لإنشاء محطة نووية بالضبعة.. وتقدمت أربعة عروض من كبرى الدول النووية وتم تحليل العروض الفنية والشروط العامة والقانونية وتم التحليل المالى للعروض حتى وصل الأمر الى الممارسة بين الشركات فى الأسعار وتم ترتيب العطاءات بعد الممارسة ولكن بقدرة قادر توقف المشروع.
الفترة التى تلت مناقصة سنة 1983 أصبحت كابوس على العاملين فى هذا المشروع واضطرت بعض الكوادر الفنية للهروب والعمل بالوكالة الدولية للطاقة الذرية.. ولكن الأمل تجدد بعد 24 سنة.. ففى 29 أكتوبر 2007 أعلن رئيس الجمهورية قراره ببدء البرنامج النووى المصرى وبدء الخطوات التنفيذية لإنشاء أول محطة نووية مصرية.. فهل الأحداث التى ذكرتها وأدت إلى فشل تنفيذ البرنامج النووى تكون لنا عبرة؟ وتكون لنا دروسا مستفادة؟ وهل تجارب الدول التى سبقتنا فى هذا المجال وأخص بالذكر الصين والهند وباكستان وإيران تكون لنا دروسا مستفادة؟ اسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون.
نائب رئيس هيئة المحطات النووية سابقا