إذا كانت الولايات المتحدة قد اعتادت على إلقاء القمح والذرة فى المحيطات لإطعام الأسماك، ودهس ملايين الأطنان من الخضروات والمواد الغذائية بآلالات الثقيلة والجرارات حفاظاً على الأسعار فى مستواها، فإن أوروبا ـ هى الأخرى ـ لم تتوان فى يوم من الأيام فى سكب ملايين اللترات من الحليب عبر الطرقات، وذلك من منطلق عدم خفض أسعار المواد الغذائية بالقدر المحدد لها مهما كانت الأسباب.
فبالنسبة لهؤلاء ــ أمريكا والدول الأوربية ــ لا معنى للإنسانية فى أعماقهم التى تترائ للبسطاء المبهورين بأفعالهم ونجاحهم وتفوقهم الصناعى والتجارى والطبى والزراعى، من خلال مصداقية اتضحت فيما بعد من أزمة مالية خانقة تعثرت خلالها أسواقهم ومصانعهم، وكانت بنوكهم على شفا الإفلاس، بل وأفلس العديد منها وأغلقت أبوابها ،و البعض الآخر قد أنقذته الحكومات فى اللحظات الأخيرة وهو يحتضر، الغربيون الذين قد وعدوا بمواعيد لحل أزمات العالم الثالث والدول الفقيرة والمتخلفة، بل ورسموا صوراً وردية للمستقبل المشرق والباهر الذى ينتظر تلك الدول ، كما يقول البسطاء ملتزمون بها، وهم لا يعرفون أن التزامهم ينطلق من مصالحهم الذاتية ـ ولم يكن من منطلق إنسانى قط ، ولن يكون كذلك فى يوم من الأيام.
فهؤلاء يرون فى سكب ملايين اللترات من الحليب فى الطرقات شيئاً ضرورياً، و يرددون بأنهم يدافعون عن حقوقهم بسكب الحليب بدل الانتفاع به، وأنهم لا يغنيهم موت الآخر لأن مصلحتهم تستدعى ذلك .
ألم تكن هذه العقلية المتعفنة الضحلة فى أوروبا التى نراها تعبث بكل القيم الإنسانية وتتجرد من كل القيم الأخلاقية، فى الوقت الذى تجد مليار نسمة يعانون حقيقة الجوع و5.2 مليار نسمة يعانون الموت من سوء التغذية، أليست هى مصدر البؤس فى هذا العالم؟! ومن غرائب الظروف أن تجد (نصيب البقرة) يقدر فى أوروبا من الدعم الحكومى بدولارين فى اليوم الواحد، ويعيش حوالى مليار نسمة على أقل من دولارين يوميا.
ألم تمنع تلك الدول الكثير والكثير من العلوم والبرامج التكنولوجية المتطورة والأجهزة الحديثة المتقدمة عن بلادنا لسنوات وعقود طويلة؟!، هى فقط تستخدمنا كأسواق لترويج ما تريد تسويقه وتمنع عنا ما تريد منعه، حتى أنها تستقطب عقولنا وأبناء أوطاننا فى محاولة لتجريد تلك البلاد من بقايا العلم وفتات الأمل الذى تبقى لنا.
كثيرُ منا يتصور أن الرجل الأمريكى أو الأوربى هو أكثر عطفاً وحناناً، بل ويخاف على مصالحنا أكثر منا أنفسنا، للأسف نعيش فى هذا الوهم وكأننا موتى، بل والأغرب هو أن الأحياء منا قد انتحروا ليبقوا معنا فى هذا الوهم أيضا!
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة