د.عزازى على عزازى

شالوا الفيشة عن مصر

السبت، 21 أغسطس 2010 05:28 م


حكى لى صديق يعمل رباناً على السفن التى تجوب أعلى البحار، قال: فى كل سواحل العالم، وبشكل خاص فى آسيا، رأيت الحياة هناك تتطور خلال الثلاثين عاماً الماضية، ففى البداية كنا نرى الصبية فى سواحل ماليزيا وتايلاند وسنغافورة، وفى موانئ اليابان والهند، يهرعون إلى السفينة، فنعطيهم السجائر وعلب الأغذية المحفوظة، لكننا رأيناهم فى الأعوام التالية، وقد تطورت أوضاعهم، فصاروا هم الذين يبيعون لنا التحف والمشغولات والملابس والخضروات والفواكه الطازجة، وفى الأعوام التالية زرنا محلاتهم، ورأينا حجم التغيير فى أحوالهم الاقتصادية والمعيشية، كل الأشياء هناك تتغير عاماً إثر عام، شكل الميناء، الطرق، حجم الرفاهية، تنتقل هذه الدول من اقتصاديات مأزومة إلى اقتصاديات الوفرة، تزداد أرقام السائحين يوماً بعد يوم وكذلك أرقام الدخل والناتج القومى، وحركة التصنيع والاستثمارات الضخمة.

كنت أفرح واحتفل مع شباب هذه الدول بإنجازاتهم الكبيرة، فقد صاروا أصدقائى منذ كانوا صبية من ثلاثين عاماً حتى أصبحوا الآن فى مواقع قيادة التنمية فى بلادهم.

لكن إجازاتى القصيرة لمصر كانت تقتل بداخلى كل المشاعر التى تراكمت خلال رحلاتى السنوية، فالعمارة القديمة التى أسكن فيها مع أسرتى لم يحدث لها أى تعديل أو إصلاح أو ترميم طيلة الثلاثين عاماً، أما المقهى الذى أجلس فيه قريباً من بيتى، فمازالت حوائطه كالحة سوداء، تفاعلت الرطوبة والدخان، وصنعا معاً لوناً داكناً كئيباً، أما الشارع فمازال كما هو، بإضافة بعض المطبات الصناعية إليه، وأضاف صديقى: أنا لا أقصد الثبات أو السُباب الحادث فى مصر، فليت الأمور كما كانت منذ ثلاثين عاماً لأن الكارثة الأخطر أننا نتراجع ألف خطوة للوراء والنتيجة ماثلة أمام عيوننا فى أى مكان داخل مصر، فدول العالم عندها حكومات تصيب وتخطئ وتتعرض للحساب، أما الذى هو عندنا فعصابة تخطئ ولا تصيب، ولا تتعرض للحساب.

حاولت التخفيف عن صديقى الربان، فتحدثت معه عن الحراك السياسى والاحتجاج الاجتماعي، وأشواق التغيير، وحجم مشاركة الشباب، وحيوية المجتمع المدنى والنخبة الجديدة فى المجتمع، والنقابات المستقلة وحركة استقلال الجامعات، والزيادة الملحوظة فى العمل التطوعى والخيري.. كان صديقى يستمع لحديثى بغير اكتراث، وحينما انتهيت من وصلة الأمل، قال: أنا متابع بدقة لكل ما تقوله، ولكنك لا تدرى ماذا فعل بنا هذا النظام العاجز طيلة الثلاثين عاماً الماضية؟ حاولت الإجابة بتقديم جرعات لابأس بها من السواد، لأكون فى نفس مستوى إحباطه وقرفه، لكن صديقى رمى بتعليق رمزى مكثف اختصر به ما حدث خلال الثلاثين العجاف الماضية، فقال لا فض فوه: يا عزيزى هذا النظام العاجز والفاسد (شال الفيشة) عن مصر.



أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب



الرجوع الى أعلى الصفحة