محمد رفعت

منديل الشيخ علام

الجمعة، 20 أغسطس 2010 07:49 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
السياسة فى بلادنا مثل "ضرب الودع"، لا تعتمد على منطق ولا تعترف بأبسط قواعد الاستنتاج والتحليل، وبعض كتاب الأعمدة الصحفية يتفوقون على الشيخ علام فى مسرحية أمين الهنيدى الشهيرة فى الجدل والدجل، يطلقون البخور فى الغرفة ويضعون "الفوطة" على وجوههم ويخترعون السيناريوهات المستقبلية لما يمكن أن يحدث فى المستقبل القريب والبعيد، ولا يهمهم كثيراً إذا كانت "افتكاساتهم السياسية مستندة على معلومات حقيقية أو مجرد استنتاجات وهمية وأرقاما ً ملفقة وشائعات رائجة .

وانظر مثلا إلى ما يكتب حول مستقبل الحكم فى مصر، لتدرك إلى أى مدى وصلت درجة الدجل السياسى، وستجد من يؤكد لك نظرية التوريث، رغم أن الرئيس ونجله أعلنا فى أكثر من موقف رفضهما لهذا المبدأ، ورغم أن القريبين من دوائر صناعة القرار السياسى لم يجرؤ أحدهم على التبشير بهذا المبدأ، ولكن غياب الشفافية وفقدان الثقة بين الحكام والمحكومين والارتباك الشديد فى أداء النخبة كانت كلها عوامل ترجح دائما هذا الطرح ولا تكاد تستبعده حتى تستدعيه من جديد، باعتباره أسهل الحلول لضبابية سياسية سيتحسن فى ظلها منذ بزوغ نجم الابن وتعاظم دوره مع لجنة السياسات فى الحزب الحاكم، واستبدال الحرس القديم بوجوه تدين لنجل الرئيس بالطاعة والولاء.

والغريب أن هذا الجدل "الميتافيزيقى" قد انتقل من دوائر الصحافة والسياسة فى مصر إلى وسائل الإعلام فى الغرب، وأصبحنا نقرأ من حين لآخر سيناريوهات كثيرة يؤلفها ويخرجها صحفيون غربيون وخبراء فى سياسة المنطقة العربية حول احتمالات صعود الرئيس الابن إلى قمة السلطة بمباركة من جهات مؤثرة وبالتنسيق معها، والأغرب أن يتورط فى هذا اللون من ضرب الودع السياسى جهات بحثية غربية مفترض فيها الدقة والحرص على الاستقصاء والاعتماد على وقائع ومعلومات حقيقية، وليس مجرد فرضيات لا أصل ولا أساس لها.

والمدهش أن ظهور لاعب جديد فى الساحة السياسية المصرية فى وزن الدكتور محمد البرادعى بما له من ثقل دولى وخبرة قانونية لم يزد الأمور سوى غموضًا والتباسا، فلا هو انضم إلى حزب سياسى– حتى الآن– حتى يصبح لديه الحق فى الترشح للرئاسة، ولا هو قد نجح فى تعبئة القوى السياسية المختلفة المتنافرة من حوله، وحتى الجبهة التى تكونت من أجل دعمه ومساندة موقفه وتبنى مطالبه وأطروحاته للإصلاح السياسى أصابها ما أصاب جماعات الدعوة إلى التغيير بداية من "كفاية" ومرورًا بكل جماعات النخبة وهو الانقلاب على نفسها والتفتت من الداخل وتبادل الاتهامات والتصريحات العنترية..

وكأن الجميع يعمل فى المحصلة الأخيرة لصالح النظام القائم، ويؤكد ادعاءات أبواقه والمدافعين عن استمراره حول هشاشة المعارضة وتهافتها وعدم استنادها إلى قاعدة شعبية حقيقية تمنحها الشرعية المطلوبة وتحميها من الوقوع فى دائرة النضال "الحنجورى" والسقوط فى خيالات الزعامة الوهمية والشو الإعلامى الزائل.

أجل غير مسمى، هى الحقيقة السياسية الوحيدة الملموسة، وتبقى كل المحاولات إلا للبحث عن معادلة جديدة تخرج بنا من هذا النفق المظلم مجرد أحلام مستحيلة وأمنيات لا تتحقق سوى فى أذهان ضاربى الودع السياسى ومنديل الشيخ علام!.

* نائب رئيس تحرير مجلة أكتوبر.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة