كان رد فعل إذاعة الفيلم الإسرائيلى الدعائى الذى يصور تدمير "الأقصى" بالطائرات والصواريخ رغم ضآلة مدته ( 44 ثانية )، عنيفا ومثيرا لقلق وغضب المسلمين بكافة أنحاء العالم وخاصة لمواكبته للأجواء الحالية بتهديداتهم هدم المسجد وإقامة الهيكل وما يجرى من حفريات وتهويد بالقدس الشرقية. وكان للفيلم حظ وفير لدى اليمين المتطرف واليهود المتشددين بإسرائيل، وأصبح فقرة ثابتة فى مراسم الاحتفال بأعياد وتكليف الشباب ( برمتسفاه ) حتى يتم تغذيتهم بأحلام الصهيونية وجعلها عقيدة راسخة لهدم المسجد الأقصى وإقامة الهيكل.
وعلى الجانب الآخر هناك حركات ومنظمات تدين باليهودية ولكن لها اتجاهات تبغض الصهيونية وتظهر لها العداء الذى يصل أحيانا لحد الصراع واتهامهم بالعلمانية أحيانا والتطرف تارة أخرى ويرفضون الدولة ومجرد قيامها ويشجعون من يوافقهم فى هذا التوجه، فعلى سبيل المثال "حركة ناطورى كارتا" تحارب الصهيونية وكانت تقيم علاقات مع ياسر عرفات لأنه يعادى الصهيونية أيضا، ووصلت توجهات هذه الحركة حد المبالغة "عندما سافر وفد من أعضائها إلى طهران للتعازى فى وفاة الإمام الخمينى كونه كان رافضا للصهيونية ولا يعترف بإسرائيل ولكن هذه التوجهات ليست ضد اليهودية واليهود على طول الخط ولكنها تحمل فى طياتها أطماعا أكبر حسب اعتقادهم بأنها سوف تتحقق ربانيا فيما بعد.
وإذا كان هذا الفيلم الحديث جدا حيث تم بثه فى النصف الأول من مايو هذا العام 2010م إلا أن المنظمة الصهيونية العالمية نشرت فى مجلتها "كيفونيم" التى تصدر فى القدس فى عددها الصادر فى فبراير عام 1982م مقالا بعنوان :
الخطط الإستراتيجية لإسرائيل فى الثمانينيات جاء فيـه:
"أن مصر بوصفها جسدا مركزيا، فإن هذا الجسد قد مات، لاسيما لو أخذنا فى الاعتبار المجابهة التى تزداد بين المسلمين والمسيحيين، كما أن تقسيمها إلى مقاطعات جغرافية منفصلة يجب أن يكون هدفنا السياسى فى التسعينيات على الجبهة الغربية، فإذا ما تفككت مصر وحرمت من السلطة المركزية فإن بلدانا أخرى مثل ليبيا والسودان وغيرهما من البلدان الأبعد ستعرف نفس التفكك، ويعتبر تشكيل دولة قبطية فى صعيد مصر هو مفتاح الحل لتطور تاريخى تأخر اليوم بسبب اتفاق السلام، ولكن لابد منه على المدى الطويل.. ورغم المظاهر فإن الجبهة الغربية تمثل مشاكل أقل من مشاكل الشرق، ويجسد تقسيم لبنان إلى خمس محافظات، ما سيحدث فى العالم العربى بأسره.
وتفكك سوريا والعراق إلى مناطق محددة على أساس المعايير العرقية أو الدينية ينبغى أن يكون على المدى الطويل هدفا ذا أولوية لإسرائيل، على أن تكون الخطوة الأولى هى تحطيم القوة العسكرية لهاتين الدولتين.
فالهياكل العرقية فى سوريا تعرضها للتفكك الذى قد يؤدى إلى إنشاء دولة شيعية على طول الساحل، ودولة سنية فى حلب وأخرى فى دمشق، وكيان درزى قد يرغب فى تشكيل دولته الخاصة به ربما فوق هضبة الجولان. وعلى أية حال مع حوران وشمال الأردن، ومثل هذه الدولة ستصبح على المدى الطويل ضمانا للأمن والسلام فى المنطقة وهو هدف فى متناول يدنا بالفعل.
والعراق الغنى بالبترول والمرتع للمنازعات الداخلية هو خط التسديد الإسرائيلى. وتفكيكه سيكون بالنسبة لنا أهم من تفكيك سوريا لأنه يشكل على المدى القصير أخطر تهديد لإسرائيل.
( المصدر – كيفونيم 1982م ص 49 – 59 ) و(رجاء جارودى الأساطير المؤسسة للسيادة الإسرائيلية. دار الغد العربى 1996م ص 181 – 182).
وهذا الخيال الصهيونى ما بين الإعلام التليفزيونى أو الصحفى له توظيفه وغايته، وهنا وبعيدا عن كل نظريات المؤامرة والاستعداء، نترك ذلك كله للتفكير والتأمل والنظر للماضى والمستقبل والوقاية خير وسيلة للعلاج وربما شمعة تبدد الظلام.
د.عبد الرازق سليمان يكتب: قراءة فيما وراء الخيال الصهيونى
الجمعة، 20 أغسطس 2010 09:21 م