عندما اسمعه انتفض كأنى كنت فى غفلة وانتبهت.. من الطفولة.. وأنا لا أعرف ما تلك المعانى الجميلة التى تتوالد فتتوالى بداخلى بمجرد سماعه وهو يبتهل.. وهو يدعو الله.. وهو يقول.. مولاى .. يارب كرمك علينا .. وهو يرفع الأذان .. كنا نلتف على مأدبة الإفطار فى رمضان ولا صوت إلا صوته كنا نأجل المشاكسة بيننا حتى يتمم ابتهاله .. اتفاق غير مكتوب لكن ينفذ.. لقد كان _ ولا يزال وسيظل _ ينقلنى فى غمضة عين إلى عالم جميل صاف كصفاء الدر فى الأصداف .. مدهش كانبثاق أول ضوء من ضياء الفجر مخترقا جيوش الليل المهزومة أمامه ..كنت أحاول عبثا أن ألم بكل ما يختلج فى صدرى وكيانى من وقع صوته القوى المتوسل المسترسل فى سرد نعم الله وفى التوق إلى رحمته ونظرته لعبد يود الطمأنينة والسكينة والقبول .. كانت المعانى والمفردات والتصوف أكبر من تصورى ومن خيالى فكنت أبكى وأشعر بعدها أن البكاء لم يكن حزنا على شىء قدر ما هو حبا فى رب كل شىء..
وكبرنا.. وسمعنا وشاهدنا وتنقلنا فى ربوع الأرض .. وهو مازال قابعا فى حواسى كلها مستقر .. لا أحد يقطن مكانه .. فأعلم أنى مازلت أشعر وبأن قلبى لم يزل قلبا..
إنه الشيخ سيد النقشبندى المولود بدميرة محافظة الدقهلية عام 1920 وانتقل إلى طهطا بالصعيد ليستقر هناك وهو لم يتجاوز عشر سنوات، فحفظ القرآن وتعلم الإنشاد الدينى فى حلقات الذكر مع مريدى الطريقة النقشبندية ومرت سنوات وهو فى محيطه منشدا مشهورا له سامعون كثر يأتونه من كل حدب وصوب حتى أتى إلى القاهرة وقد قارب عمره الأربعين ونيف لينشد مبهتلا فى مسجد الحسين فى أحد الاحتفالات المذاعة فذاعت شهرته وتدفق عليه المحبون لإنشاده الرائع وصوته العذب فيعجب به البسطاء وعليه القوم .. ويسافر إلى المغرب ودول الخليج واليمن لتسمعه الملايين وتعجب به وبإنشاده الذى لا يضاهيه فيه أحد .. ولأن السادات كان متذوقا فكان يستدعيه لينشد ابتهالاته فى حب الرسول .. ويجمع أنور السادات بينه وبين الموسيقار بليغ حمدى ليكتمل التألق ويتناثر علينا فنا وإنشادا كحبات من الضوء السابحة فى سواد ليل تلمع وتنير هنا وهناك ويتواصل ضوءها ولا يخبو أبدا .. فقدما أجمل الابتهالات مثل : مولاى .. ربنا..أخوة الحق .. أشرق المعصوم .. ماشى فى نور الله.
وتوفى فى 14 فبراير 1976عن عمر يناهز السادسة والخمسين عاما .. رحمه الله وجعل ما قدم فى ميزان حسناته.
محمد فوزى طه يكتب: سيد النقشبندى.. كروان السماء
الأربعاء، 18 أغسطس 2010 02:11 م
سيد النقشبندى
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة