د. آلاء عزت عبد الحميد تكتب: لا أريده بطلا

الأربعاء، 18 أغسطس 2010 11:27 م
د. آلاء عزت عبد الحميد تكتب: لا أريده بطلا صورة أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
وقف على الأريكة وارتكزت يداه الصغيرتان على شرفة النافذة بينما ظل يراقب تساقط الثلج فى ليلة مظلمة غاب عنها القمر وبدت على ابن الثامنة سعادة مزجها الشوق بالحنين، إنها سعادة بريئة لم يفسدها شحوب وجهه وبنطاله المرقع وجواربه التى لم تغط من قدميه أكثر مما كشفته، وطال الليل وطال معه خيال الطفولة البرىء الذى تلاعب بسذاجة الصغير، فكان كلما أحس بالتعب جلس على الأريكة يلتقط أنفاسه لكنه سرعان ما يقف ليعود كما كان.

لقد كانت قطع الخبز الجاف الصغيرة هى بمثابة الحلوى التى يتسلى بها كى تلهيه عن وجبة العشاء الوهمية.

وبالقرب من الصغير جلست أمه تحيك ملابس زوجها الذى تنتظره هى وصغيرها بعد انتهاء الحرب وإعلان عودة الجنود الليلة، ووقف النعاس عاجزا أمام شوق الأم وصغيرها لاستقبال الأب العظيم الذى غادر المنزل منذ أشهر عديدة عاشوا فيها بين الوحدة والفقر.
" أمى وصلت شاحنة. إنها تقل العديد من الجنود"

اتجهت الأم نحو الخارج مسرعة تجر خلفها آهات الفراق. ويتبعها الصغير متلهفا لرؤية والده، ووقف الاثنان يحدقان بالجنود وهم ينزلون من الشاحنة واحدا يتلو الآخر وتقدمهم جندى منكوس الرأس ويحمل بين يديه حقيبة من الصوف الخشن وبدأ يقترب من الأم ببطء يخفى وراءه آلام غريبة وحينها ارتفعت رأسه ثم انحنى لها وقال " لقد كان زوجك بطلا فى المعركة قام بآخر خطوة قمنا على إثرها بالسيطرة على الأعداء واستعادة أراضينا. سيخلده التاريخ للأبد وأخرج من الحقيبة سلاح زوجها وعلم البلاد وقد اختلط بدماء الشهيد، فامتزجت مشاعر مضطربة فى وجدان الأم فعجزت عن الكلام، فما عساها تفعل؟ أتحزن بمقتل زوجها أم تزهو به بطلا حرر أرضها.. وتزاحم الصمت مع آهاتها حتى غلبها والتزمت به، ولكن الصغير لم يستوعب كلام الجندى؛ فجرى نحو الجنود يبحث عن والده وركض الصغير بين الجنود يصرخ فكلما وقعت عينه بأعينهم رأى فيها دموعا عجز الأعداء عن رؤيتها، ولكنه القلب البشرى الذى يضعف أمام الصغار فترق له الأعين، وما أن وصل إلى أحد الجنود حتى استوقفه الجندى وقال له " لقد كان أبوك بطلا فافخر به".

وهنا رد الصغير " لم أرد أبى بطلا، أردت أبى أردت أن أراه لماذا لم يأت معكم؟ إن كان البطل لا يعود لا أريده بطلا. اذهب واحضره معك. قل له لا تكن بطلا ولكن عد".

نكس الجميع رؤوسهم على كلمات عجزت أمامها الدموع وبين ذهول الأم وصراخ الصغير أدرك الجنود أن الأيام وحدها كفيلة بهما.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة