"الدول تتساقط كأصابع مجذوم، والجثث تتابع الذين يحفرون القبور بعيون كفوهات البنادق".
ورغم أن هذه إحدى النبوءات الشعرية الذى نثرها الشاعر الكبير فريد أبو سعدة إلا أنها لم تنل منه أبدا، وأتحداه أنا بنبوءتى بأنه سيتعافى بعد العملية الجراحية التى أجراها وسنجرى وراءه من مقهى لمقهى لنرجعه عما يفعله، وسنطارده وهو يغازل الجميلات بابتسامة عينيه الجميلة، القلب عاد صغيرا والحلم زاد تضخما وهذا ما أراه وأتأكد منه فى عين فريد أبو سعدة وروحه ذلك الشاعر الذى أعدت اكتشافه بعقلى كما أعدت اكتشاف الكثير من الكتاب الذين قرأت لهم صغيرة حيث الروعة الحقيقة فى إعادة قراءة ما قرأته سلفا بوعى ناضج ومختلف وممتع أكثر من ذى قبل، فهنا تعرف الفرق بين القراءة للشغف فقط والقرأة للمعرفة والتعلم والفهم والتطهر، وها هو يقع فى يدى شاعر من أجمل شعراء هذا البلد، ولكن كعادتى دائما ما أقع فى حب الشعراء المتواضعين الذين يزهدون البروباجندا الكاذبة ولا أعرف حتى الآن سر محبتى للمبدعين العباقرة من المختفين، رغم أننى صراحة لا أتمتع بصفة الزهد هذه إلا أننى أشترك معهم فى محبتهم للبساطة والعيش بحرية دون التقيد بأى شىء، كأناس أثروا ويؤثرون فيمن حولهم هو ذلك الشاعر والكاتب المسرحى ابن المحلة الكبرى الذى لم يكتف بدراسته للفنون التطبيقية واستمر فى دراساته العليا فى الصحافة وتقلد أكثر من منصب فى أكثر من مكان أدبى، ولكنه تفرغ للكتابة وهذا هو الطبيعى للفنانين، كان دائما ما يمثل مصر فى المؤتمرات والمهرجانات الشعرية وكسبت جوائز الدولة بتأييد شريف فى إعطائها جائزة الدولة التشجيعية له فى عام 1993 ووسام الفنون والآداب من الطبقة الثانية من نفس العام أيضا ثم حصل على جائزة اتحاد الكتاب (عن مسرحية) عام 2003 كما ترجمت العديد من اعماله الى الفرنسية والإنجليزية شاعر تحقق بمجهود وسعى لإثبات ثقافته وموهبته الإبداعية الفذة حقا، وإن كانت كلمة فذة كلمة تبدو قديمة وعادية للتعبير عن مدى تأثرى وإعجابى بفن أبو سعدة إلا أننى يروق لى أن أكتبها فعلا أنه شاعر فذ، جرىء جراءة لا تدخل فى إطار الاستعراضية الإباحية بالشعر بقدر ما تقدر باستعراض قدرات عقلية وثقافية نادرة وحقيقية ليس هدفه منها أن يقول عنه الناس إنه مثقف وتروق له كلمة مجنون أكثر على ما أظن، فالجنان من المس وليس من فقدان العقل يؤكد على قناعتى الدائمة بأن الشاعر ممسوس من الجن هو اعتقاد سأظل أبثه كلما كتبت عن شاعر يبهرنى، أنا احتفائية بشدة بالأشخاص الذين أحبهم فربما سيرى البعض أنه شاعر كبير وشبع فالرجل ماشاء الله حصل على العديد من الجوائز والتقدير من الدولة ويكفى إلى هذا الحد (ماذا يريد من الدنيا بعد ما وصل له) وآخرون سيقولون من هذه حتى تقول وتكتب عن شاعر كبير كهذا الشاعر العبقرى أنها لا تعرف من هو وما هى حياته وأوجاعه وآرائه السياسية الصادمة والدينية الخطيرة، ولكن بصراحة عندما قررت أن أعلن عن محبتى لهذا الرجل بطريقتى الخاصة المعتادة قررت أيضا أن لا أهتم ولا أضع فى ذهنى آراء الكبار الذين لا يحبون أو ينافسون أو يغارون أو، أو الخ الأو أو او فقط وضعت فى رأسى اعتبارا لأن هذا الشاعر الكبير الذى يقاوم تمرد جسده على طاقته الإبداعية فى الفترة الأخيرة أن يعرف أننى وغيرى كثير من الكتاب الشباب بل والقراء من أصدقائى غير المنتمين لعالم الأدب والذى يحلو لى أن أقرأ عليهم ما يمتعنى مما قرأته فيعجبهم أو لا يعجبهم ولكن مع كلمات الشاعر الكبير فريد أبو سعدة وجدت أن الشعر والكلمات النابعة من الروح والمكتوبة بوجع الانتصار للإنسان والحب تصل دون شرح حتى وإن كانت الكلمات المكتوبة شديدة التعقيد والصعوبة كالذى يستخدمها سعدة فى كتاباته الشعرية، والذى أثبت لى ولناس كثيرين من قبلى ومحبينه يعرفون ذلك جيدا أن الشعر مس من الجن، وها أنا أعبر عن حبى الشديد لرجل ممسوس بجن الشعر المتقلب ما بين إحساس بالروحانية والشفافية وبين التأمل فى الوجود وتعقدات النفس والعقل فى زمنه الذى راقبه بوعى شاعر طفل شقى أصاب من حوله بالجنون ولكنهم أحبوه رغم ذلك.