أحمد عبد العزيز يكتب: صاحب الحانوت

الخميس، 12 أغسطس 2010 10:24 ص
أحمد عبد العزيز يكتب: صاحب الحانوت

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
هز جلبابه فى هوادة حتى يُزيل ما علق به من آثار الدقيق والحبوب التى يعمل بها ، لم يسمح يوماً لتلك التجارة التى اتخذها بعد انتهاء عمله الحكومى أن تطغى على أناقته المفرطة، كان كثير الطيب داكن الجلابيب، تُميزه الكوفية البنية التى تحتضن عنقه وتجلس فوق كتفيه، حانوتاً صغيراً تعلو حوائطه حبيبات الجير التى تلفظ أنفاسها وتتركه واحدة بعد الأخرى، بيتاً كبيراً يسكنه إخوة كثيرون، تتوسطه أشجار الكافور التى تعزف عليها عصافير صغار سيمفونية رائعة، كنت دائماً أراه عند دخولى وخروجى من منزلى ، دائم الصمت يُريح وجهه على أحد كفيه بينما الأخرى تُداعب حبات القمح والشعير فى غربال كبير،لا يعبأ بحبيبات الجير ونفورها من الحائط يُحرك رأسه وينظر إليها ويبتلع بسمة حزينة بداخله، أشار إلى بيده ، انتظرته ، توضأ وتطيّب ووضع كوفيته على كتفيه لم يكد يخطئه أحد حين يراه من بعيد، احتضن ذراعى وداعبنى بكلمات عن أبو تريكه والبطولات القادمة، كان كتوما، لكنه حدثنى هذه المرة عن مستقبل ابنته الوسطى وخوفه عليها، طمأنته ، تابعنا سيرنا سويا إلى مسجدنا القريب، أخذ مكانه الذى يعتاد عليه خلف المحراب،انتهت الصلاة وانتظرنا صلاة أخرى بلا سجود، كان أمامى فى جموع المُشيعين تهتز شفتانا فى صمت بالدعاء والترحم على من مات، توقفنا، وضعت وجهى بين كفى وانشغلت عنه بالدعاء، أحسست بحركة المارة، أحدهم يجذب ذراعى ويُربّط على كتفى، تفقدت موضعه فلم أجده، رائحة طيبة مازالت فى أنفى، أسرعت نحو بيته الكبير، ساكن على غير عادته! سكتت عصافيره .. تراخت أفرع الأشجار الكبيرة.. وبدا كئيب، تسكنه الأشباح ، تابعت السير لحيث شَقته، بناته الكبار تسكن أحداقهن الرهبة والذهول، ويتلاعب بين جفونهن مستقبل مجهول، الوسطى منهن تجمدت أمام صورته المُعلقة على الحائط ، الصغرى باسمة فى تعجب من أسباب تقرب الحاضرين إليها بالحلوى والنقود الفضية، اقتحمت غرفته فوجدتها محمرة العينين مختفية بين جلابيبها السوداء وبين يديها كوفيته المزركشة وقد بدت لى كئيبة المنظر، ودولابه الشامخ يحتضن جلابيبه الداكنة اللون للأبد، جمّعت أشلائى وهبط إلى الحانوت الصغير ونظرت مكان جلسته وحملت الغربال الكبير وأسكنت الحبوب مكانها، وسألت الله أن يرحمه وأغلقت حانوته الصغير بعد ما تزايد سقوط حبات الجير من فوق حوائطه .....





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة