من المعلوم أن والد العمدة بطبيعة الحال عمدة، لكن بطل قصتنا اليوم ليس عمدة ولكنه نجار.. هيا بنا نذهب لنرى من هو أبو العمدة، منذ صغرى وأنا أعرفه فهو نجار بارع فى تثبيت الكراسى (الملخلخة) وترييح الأبواب (المتختخة) لا يملك فى ورشته المحدودة جدا سوى قليل من الغراء والمسامير ومنشار وفاره وشاكوش وبعض قطع الخشب المنتشرة فى الورشة وفى الركن البعيد يوجد طبلة صغيرة وبجانبها قطعة من الجلد طوال العام يعمل نجار وقبل رمضان بيومين يغلق ورشته ليبدأ فى عمله النادر تلك الأيام، عم أبو العمدة يعمل مسحراتى قبل حلول رمضان بيومين يمر عم أبو العمده فى الحوارى والأزقة ليعلم الأسماء الجديدة بالمنطقة وبالذات أسماء الأطفال، كان يحفظها بدون كتابة ( بمعنى أنه كان يحفظ الاسم والمكان فى ذاكرته ).
يبدأ شهر رمضان ويبدأ عم أبو العمدة ولا مؤاخذة يلعلع، فله صوت رنان نقى ولا صوت عبد الوهاب وطول نفس ولا الشيخ النقشنبدى فى زمانه ( رحمهم الله )
نستيقظ ليلا على صوت الطبلة من بعيد جدا، صوت مميز جدا يطرق عليها أربع طرقات ثم يبدأ بقوله (قوم يابن آدم وحد الواحد الدايم (
ثم يبدأ فى الأقتراب ليتضح صوته شيئا فشيئا ( ياسى محمد " ثم أربع طرقات على الطبلة " وحد الله.) ( ياسى أحمد" ثم أربع طرقات على الطبلة " وحد الله)،) ياسى مؤمن" ثم أربع طرقات على الطبلة " وحد الله( .
أحيانا نكون مستلقين على الأسرة ولكن لا نقوم إلا عند سماع صوت أبو العمدة.
الحوارى تكاد تكون مظلمة إلا بصيصا من الضوء وصوت أبو العمدة، لا رمضان بدونه، لا سحور بدونه.
وآخر ثلاثة أيام من رمضان لا ينادى أسماء ولكنه يبدع فى سرد التواشيح الجميلة الممتزجة بالبكاء، كنا نتجمع كلنا فى البلكونات والشبابيك لسماع تواشيح عم أبو العمدة نطرب بها ونبكى معه.
يأتى العيد ويمر أبو العمدة فى الحوارى وتقوم الأمهات بمناداته لاعطائه بعض ما يخبزون من الكعك والبسكوت والقرص وأحيانا ما تقوم بعض الأمهات بلف نصف جنيه وتضعه فى يده فيمسكه ولا ينظر إليه ويضعه فى جيبه على استحياء.
ذات مرة سألته لماذا تبكى آخر رمضان يا عم أبو العمدة فقال أبكى على ذهاب رمضان وأخشى أن يأتى وأنا فى باطن الأرض وليس فوقها.
والآن بعد مرور حوالى أربعين عام ووجود الساعات الإلكترونية وبرامج الموبايلات الدينية التى تيقظك فى السحور ومواعيد الصلاوات أجد نفسى نائما ولا ييقظنى سوى صوت عم أبو العمدة القادم من الزمن الماضى الجميل وربما يأتى صوته من باطن الأرض وليس من فوقها.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة