◄◄ محمد: كنت أنام فى الشوارع والقرية منعتنى من الحصول على عمل شريف
◄◄ كريم: العلاقة بينى وبين ضباط الشرطة أصبحت حميمية بعد تكرار القبض علىَّ
لم يكن الألمانى هيرمان جومينر، صاحب فكرة قرى الأطفال العالمية SOS، يتوقع أن تتحول فكرته الحالمة إلى كابوس على يد وحوش بشرية.. وهو ما يمكن التحقق منه بالنظر إلى كم الشكاوى التى وردتنا من ضحايا قرية sos بالعامرية، فضلا عن تسجيلات تستغيث بنا، وتشرح بالتفصيل المخطط الممنهج لطردهم خارج القرية.. «اليوم السابع» تضع الملف كاملا أمام الدكتور على المصيلحى، وزير التضامن الاجتماعى، بعد أن كشفت لنا الأحداث المأساوية حجم الفشل الإدارى للقائمين على تلك القرى، ورغبتهم فى نهب أموال الأطفال الأيتام، حتى أصبح هؤلاء الأطفال، بقدرة قادر، مسجلين خطرا، أو متورطين فى جرائم سرقة وتحرشات جنسية، أو مطرودين فى الشوارع، انتظارا لمصيرهم المجهول.
محمد محمود شعبان قطب، 38 سنة، بدأ حواره معنا بشكواه التى قدمها لمكتب رئاسة الوزراء، برقم 756 - 3، بسبب طرده من القرية.. محمد قال إنه نشأ فى القرية منذ أن كان عمره يومين حتى بلغ 14 سنة، ليجد نفسه مطروداً من القرية بلا سبب، وظل مطارداً فى الشارع لشهور بلا مأوى بحثاً عن لقمة العيش، حتى تعلم حرفة النجارة، واستطاع الزواج من إحدى الفتيات «العرباويات» وأنجب منها 3 أبناء وجميعهم يقيمون فى غرفة واحدة بالإيجار. واستطرد محمد قائلا: «طردونى من القرية وعمرى 14 سنة، والقانون يمنع طرد أى طفل قبل أن يبلغ 21 سنة، مع تسليمه مسكنا ودفترين، الأول للتوفير الخاص بالقرية وفيه حقوقنا المادية نظير عملنا فى القرية، والتبرعات التى تدخل لهم، والثانى دفتر الرعاة الأجانب والخاص بالكفالة الأجنبية».. وتابع بصوت حزين: «لكنهم لم يكتفوا بطردى فقط لكن استحلوا حقوقى المادية».
أما محمد عبدالرحمن حسن، الذى أصبح الآن عمره 35 سنة، فتم طرده من القرية بعد أن أكمل عامه السادس عشر.. محمد قال: «طالبت بحقى بكل أدب واحترام» فأجلسه المدير على كرسى مكتبه وطلب له «حاجة ساقعة» وبعد دقائق جاءت الشرطة لتأخذه إلى القسم، ومكث هناك 25 يوماً بدون أن يتم تحرير محضر له، وبدون أن يعرف سبباً. وأضاف: «بقيت فى الشارع، أنام على الأسطح وفى الحمامات العامة، وعلى الأرصفة، أتنافس مع الكلاب والقطط على الطعام من صناديق القمامة، وفى أشد أوقات البرد حاولت المبيت أمام القرية ففوجئت بالقبض علىّ وحبسى 3 شهور، وخرجت إلى الشارع مرة أخرى حتى التف حولى أصدقاء السوء».
واعترف محمد بأنه سُجن للمرة الثالثة حينما حاول التعدى على مدير القرية وهو يطالب بحقه، لكن أمن القرية تمكن من الإمساك به، واتهموه بالسرقة ليظل فى السجن هذه المرة لمدة 9 أشهر، خرج بعدها وهو لا يملك من الحياة سوى الضياع، وبعد أن شعر المدير بالقلق منه حاول ترضيته بين الحين والآخر بمنحه ما بين 50 و100 جنيه مقابل توقيعه على أوراق لم يكن يفهم مغزاها، لكنه عرف فيما بعد أنها تنازل منه عن حقه فى دفاتره الخاصة.
محمد أضاف أنه رغم اعتماده على نفسه، وزواجه من فتاة مسيحية أسلمت، وأنجب منها ثلاثة أبناء، فإنه ما زال يعانى من ظلم القرية له، لأنه لم يستطع الحصول على أى عمل بسبب القضايا العديدة التى تورط فيها بالسجن، ولما عمل كموزع لأنابيب الغاز طاردته الحكومة وطلبت أن يكون للموزع «كارنيه» خاص به، وفوجىء بالمسؤول عن العمل يطلب منه «فيش وتشبيه».
محمد سلمنا صورة من شكواه للدكتور على المصيلحى، وزير التضامن الاجتماعى، بأنه شاهد إحدى فتيات القرية، وتدعى «ف» فى وضع مخل بإحدى الفيلات الفارغة بالقرية، وعندما حاول تنبيه المدير فوجئ بعد نصف ساعة بالشرطة تقبض عليه بتهمة التحرش الجنسى بها، لكن النيابة برأته بعد أن قص كل الحكاية فى قضيته التى حملت رقم 14399 لسنة 2010 جنح العامرية.. وأنهى محمد حديثه معنا قائلاً: «ما زلت حتى الآن أطالب بحقى فى مكافأة الخروج والزواج ودفتر الرعاة الأجانب والتوفير».
وعلى الصعيد الأصغر سناً يقول كريم رمضان، 20 سنة، إنهم أرسلوه إلى بيت الشباب عندما بلغ الثانية عشرة، وهناك لم يستطع التكيف مع الحياة، بسبب سوء المعاملة، وبعدها بوقت قصير تم طرده إلى الشارع، فحاول الذهاب إلى احد المسؤولين بالقرية، فأمر بتقييده حتى استدعى الشرطة، فحررت له محضر سرقة، ليمضى أربعة أشهر بالسجن، وبعدها خرج للنوم على أرصفة الطريق حتى عمل مع أحد الأشخاص فى ورشة «كاوتش»، وكان ينام فيها حتى طرد لعدم امتلاكه ى أوراق تثبت شخصيته.
كريم قال إنه ذهب عدة مرات للمطالبة بأوراقه لعمل بطاقة شخصية، وباءت كل محاولاته بالفشل، حتى عمل على توك توك، والآن ينام فيه كل ليلة، حتى أصبحت العلاقة بينه وبين ضباط القسم حميمية، بعد أن أمسكوا به مرات كثيرة لعدم حمله أوراقاً، وبسبب نومه على الأرصفة.
وبدوره قال محمد أحمد، 35 سنة، إنه نجح فى الحصول على فرصة عمل فى إحدى شركات البترول على مدى 3 سنوات بالعقد، وأثبت جدارة وكفاءة، ولكن بمجرد انتهاء العقد طلبوا منه واسطة للتعيين، فاستغاث بمجلس إدارة القرية، ولكن بلا فائدة.
الفتيات أيضاً كان لهن نصيب من التشرد والضياع.. ومنهن هالة السيد سعد، 38 سنة، والتى تقول «أنا فى سن صغيرة من عمرى شاهدت زواج أول فتاة فى القرية، وشاهدت معاناتها من بداية حملها للأدوات المنزلية المستخدمة، وهضم حقوقها، إلى معاملة زوجها كخادمة له، وكان يعايرها بأنها بنت ملاجئ ولقيطة، فقررت أن أتزوج من أبناء القرية، وأدخر لتكاليف زواجى، وعلى الرغم من تفوقى فى الدراسة فإننى قررت العمل فى أحد مصانع المنسوجات، وظللت أعمل طوال 9 سنوات، وكان راتبى بالدولار، إلا أن إدارة القرية قررت أن تستلم هى المرتب وتحصل على نصفه مقابل بقائى فى القرية والنصف الآخر يوضع فى دفتر التوفير، وأخيراً تزوجت عندما وصل عمرى إلى 25 سنة، وأخذت دفترى لأجد فيه 17 ألف جنيه فقط، وبما أن زوجى من أبناء القرية، ولم يأخذ أى شىء من حقوقه، قمت أنا بتجهيز الشقة، وبعد الزواج ظللت أعمل بالمصنع إلا أن زوجى وجد نفسه متورطا فى قضية سرقة عندما طالب كغيره بحقوقه، وتم منعى من العمل فى المصنع، فحاولت بعدها العمل كخادمة فى المنازل، ومربية فى الحضانات».
أما سعاد عبدالله حسن، 36 سنة، ابنة القرية منذ أن كان عمرها يومين، ولأنها لم يكن لها نصيب فى الزواج، ولا تستطيع الخروج إلى الشارع، فقد قررت العمل كأم بديلة بالقرية، وظلت طوال 3 أعوام تتعامل مع الأطفال، وتبادلهم حباً بحب.. وتضيف: «طلبوا منى أن أتكفل بإحدى الفتيات، ولعلمى بسوء سيرها وسلوكها رفضتها، ففوجئت بعد أربعة أيام بعمل تقرير طب شرعى لطفل عندى، قمت بضربه لتأديبه، يؤكد أننى تسببت فى إصابته برأسه، وتم نقلى عاملة بوفيه». واستطردت سعاد قائلة: «كل ما أطلبه هو مقابلة الدكتور على المصيلحى لأواجهه بكل ما يحدث فى القرية، من عدم وجود علاج ولا طعام جيد، حتى المياه أصبحت ملوثة ومختلطة بمياه الصرف الصحى، بالإضافة إلى أن القرية غارقة فى الصيف والشتاء بمياه الصرف الصحى، والقمامة فى كل الأنحاء».
مآسى أهل القرية لم تتوقف عند هؤلاء فقط، فجميعهم يتحدثون عن أختهم «حسنات عصام» التى تم تزويجها ممن يكبرها بمرتين فى السن، لتصبح خادمة وممرضة له، وبعد زواجها بأيام اكتشفت دخول ابنة خالته عليه باستمرار وتمكث فى غرفة نومه لأوقات طويلة، وعرفت بعدها أنه متزوج بها عرفياً، فحاولت اللجوء إلى القرية، لكن تم رفض إدخالها مرة أخرى، فلم تجد سوى إشعال النيران بنفسها.. كما روى الجميع قصة أسامة نبيل، ابن العشرة أعوام، الذى وجد حيلة سريعة للتخلص من سوء معاملة أمهات القرية له، فأحضر كرسياً بلاستيكياً ووضعه على الأرض، ولف حول رقبته جنزيراً وعلقه بسقف الحائط، ثم قام بدفع الكرسى ليلقى مصرعه، ولم يعلم عنه أحد شيئاً إلا بعد 5 ساعات، وعند استجواب المسؤولين بالقرية أكدوا أنه كان يقلد أحد الممثلين فى الأفلام التى يشاهدها.. »اليوم السابع« من جانبها نقلت الشكاوي المسجلة والتي وردت علي ألسنة المعنيين بالقرية لتضع الملف كاملا أمام المسؤولين عنها وأمام وزير التضامن.
.. هنا جحيم قرية «sos»

محمد عبد الرحمن مع أولاده

هالة مع ابنها وابنتها
