ليس شرطاً أن ينهار الاستقرار بزلزال واحد.. بقوة عشر درجات على مقياس (ريختر)، أو مقياس الإخوان، أو مقياس الإرهاب، أو مقياس الفتن الطائفية، فالأمم تنهار أيضا من خلال التفتيت والتسوّس على مراحل.. (بالقطاعى يعنى)
من هو ذلك الجاهل الأحمق الذى نصح الحكومة فى مصر بأن تستخدم كل كلمات التبسيط، والاستهانة، والاستخفاف، والسخرية، فى مواجهة عشرات من براكين التوتر الناشطة على خريطتنا السياسية والاجتماعية اليوم؟
من هو ذلك البليد المتخاذل الذى علّم هذه الحكومة، أن الاستقرار يدوم إلى الأبد، ولا يهتز له جفن حين يشتبك المحامون مع القضاة، أو البدو مع الشرطة، أو المسلمون مع الأقباط، أو المتظاهرون مع الصحف القومية؟!
من هو فاقد الضمير، معدوم البصر والبصيرة الذى أرشد السلطة إلى أنها ستبقى فى مأمن دائم، إن استعلت على مخاوف الناس، وحقّرت من شأن الاحتقان المتواصل والمتكرر فى المحافظات المختلفة، دون أن ترد بحقيقة، أو تعتذر بشجاعة، حين يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود للخطايا الرسمية؟!
هذه الحكومة تتجاهل عمداً ملفات بالغة الخطورة، دون أن تتحرك بفاعلية، أو بأقل درجة من الوعى السياسى، لحصار كرات النار التى تتحرك سريعاً فى أرجاء مختلفة، وتحت عناوين متعددة، وكأن الحل الأمثل لقضايا الناس هو الاستهتار المتخاذل، والتجاهل العمدى.
فلا أحد يتكلم عما يجرى الآن فى سيناء، والملف بكامله بين يدى وزير الداخلية، ولا أحد يتكلم عن أسباب تكرار خروج الناس لقطع الطرق أمام السيارات، غضباً من قرارات رسمية، والأمر بكامله أيضا فى أيدى مديريات الأمن، ولا أحد يتكلم عن استمرار أجواء الاحتقان فى الصعيد من جراء تأخير تطبيق العدالة على مرتكبى جرائم الفتنة الطائفية، والأمر بكامله كذلك بين يدى وزارة الداخلية وجهاز أمن الدولة.
يسأل الناس خوفاً:
هل نحن فى خطر لأن دول حوض النيل تواصل تعنتها؟ هل نحن فى مأزق قد يدفعنا إلى مواجهة مع السودان بعد تصريحات الرئيس البشير فى الصحف السودانية حول «حلايب»؟
هل انتهت كارثة رىّ الأراضى الزراعية بمياه الصرف؟ هل صحيح أن الجامعات الحكومية ستقلل أعداد الطلاب فى كليات القمة؟ هل صحيح أن أطرافاً خفية تساهم فى إشعال الأزمة بين المحامين والقضاة؟ هل صحيح أن جهات سياسية تتدخل لوقف التحقيقات مع وزراء متهمين فى قضايا إهدار للأموال العامة؟ هل صحيح أن السلطة تخفى عمدا صاحب رشوة «مرسيدس» لأسباب تتعلق بشخصيات بالغة الأهمية؟
لا تنقطع تلك الأسئلة المخيفة التى يواجهها الحكوميون الكبار عادة بابتسامة صفراء هزيلة، تسخر من الأسئلة، وتستخف بالسائلين، وتستخدم مفردات التبسيط المخل، والاستهتار الأحمق، والاستخفاف المقيت، ثم يتنطع أحدهم ليقول لك برعونة: (لا أحد يمكنه أن يهز استقرار مصر)، وتصدر التوجيهات الحكومية على الفور للصحف القومية بأنه لا المظاهرات، ولا الإضرابات، ولا الشغب، ولا البدو، ولا النوبيون، ولا الأقباط، ولا الأحكام القضائية، ولا دول حوض النيل، ولا المحامون، ولا القضاة، ولا حماس، ولا إسرائيل، ولا(الجن الأزرق)، يستطيع أن يؤثر علينا، فتنطلق الأبواق، ويعزف الجميع نشيد الصمود والتصدى، ويصبح كل من يطلق صيحة تحذير خائنا ومتواطئا وعميلا.
من علّمكم هذا يارجل؟
ليس شرطاً أن ينهار الاستقرار السياسى والاجتماعى حزمة واحدة، بزلزال واحد بقوة عشر درجات على مقياس (ريختر)، أو مقياس الإخوان، أو مقياس الإرهاب، أو مقياس الفتن الطائفية والبدوية والنوبية والعمالية، فالأمم تنهار أيضا من خلال التفتيت والتسوس على مراحل.. (بالقطاعى يعنى)، وبفعل كل هذه القضايا الحرجة والأسئلة المعلقة بلا إجابات، والتى لا تعاملها الحكومة إلا بالاستهتار، والاستخفاف، وهز الرأس بسخرية، والاعتماد على قوة مؤسسة الأمن فى نهاية الأمر.
ليس شرطاً أن يسقط الاستقرار (بسكتة قلبية)، لكن الانهيار يمكن أن ينتشر أيضا بالخلايا السرطانية التى تتمدد فى بطء، لتأكل أمان البلدان وأمن الأنظمة، وتدفع الناس إلى الفوضى، حين تنقطع أحبال الثقة مع السلطة، وتبقى كل الأسئلة حائرة بلا إجابات، وبلا معالجات، وبلا رؤية، وحتى بلا (طبطبة) على أكتاف الناس للترويض العاطفى.
إذا استمرت الحكومة فى اتّباع هذه السياسة الحمقاء بتجاهل القضايا الكبرى، أو الاستهتار بمشاعر الناس وأسئلتهم الحرجة، أو مخاوفهم الغليظة، فإنها بلا شك تساهم فى دفع البلد بكامله إلى دائرة مخيفة، فالبراكين النائمة قد تستيقظ فجأة، والأوضاع الأمنية والاجتماعية التى يبدو لنا اليوم أنها (تحت السيطرة)، قد تصير غدا أقسى وأعظم من أن يواجهها أحد.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة