براء الخطيب

نفايات سامة وحكام فاسدون

الإثنين، 05 يوليو 2010 07:31 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى سنين الانحطاط تسقط الأوطان تحت سنابك الاحتلال، ويظهر وجه الشمس منكسرا وتجهل مياه الأنهار طريقها إلى غصون الأشجار، يصمت هدير البشر فى ميادين المدن المقموعة بقوى الأمن، تستمر كلاب حرس الحكام/الطواغيت فى نهش ظهور الرجال الذين يضعون الوطن فى حدقات العيون، يعربد جنود الاحتلال المدججين بالقنابل أو بتوكيلات الشركات العملاقة، تزرع أمريكا "كرازياتها" فوق مقاعد الحكم فى بلاد العرب وكل بلاد يحاول رجالها رفع هاماتهم، ويصرخ أحد سدنة المعبد أحد منظرى نظام الحكم الحالى بأنه "لابد من موافقة أمريكا وعدم اعتراض إسرائيل على رئيس مصر القادم". يطمر الأطفال أحزانهم ويطوون أحلامهم فى المستقبل ولا يتبقى للوطن غير الانكسار والحريق؛ فماذا يحدث لو زال الاحتلال الأمريكى للعراق والاحتلال الاقتصادى لكل بلاد العرب؟ ماذا يتبقى من مخلفات بعد انسحاب أمريكا؟

نوعان من المخلفات (Rubbish) - عضوية وبشرية- السامة سوف تخلفهما أمريكا بعد انسحابها من العراق (إذا انسحبت بالطبع) أو انسحبت الشركات صاحبة التوكيلات، فى آخر شهر أغسطس القادم وبعد سبعة أعوام من الانفجارات والقتل والدم والدمار قد تنسحب أمريكا من بلاد الرافدين مخلفة وراءها العراق، وقد تشظى إلى شظايا، بالإضافة إلى آلاف الأطنان من النفايات السامة (Toxic waste) كما قالت جريدة "التايمز" البريطانية منذ عدة أيام (وكما نشرته جريدة الأهرام عن التايمز) حيث استندت "التايمز" إلى التحقيق الذى أجرته فى عدة محافظات عراقية أكد على أن وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) قد قررت دفن المواد الخطرة والنفايات السامة فى الأراضى العراقية، بدلاً من إعادتها إلى أمريكا، وقد قدرت وثيقة لـ"البنتاجون" كمية هذه النفايات بخمسة آلاف طن أنتجتها القوات الأمريكية، بالإضافة إلى 14500 طن من الزيوت النفطية والتراب الملوث بالزيت تراكمت على مدى سنوات الاحتلال جعلت العراقيين- والعهدة على جريدة التايمز- الذين اقتربوا من بعض هذه المواد السامة وقد عانوا فيما بعد من طفح جلدى وتقرحات على الأيدى والأرجل كما اشتكوا من تعرضهم لنوبات سعال وتقيؤ شديدة كما شوهدت بعض الحيوانات نافقة فى المناطق التى دفنت فيها النفايات نتيجة للتعرض لمواد كيماوية خطرة.

وقد تم الكشف فيما بعد عن أن الشركات الخاصة لمعالجة المواد التابعة للقواعد العسكرية الأمريكية كانت تخلط المواد السامة الخطرة التى تريد التخلص منها مع النفايات العادية وتسلمها للعمال المحليين على أنها عادية، غير أن شركة "ألليد كيميكال أوف موريستاون فى نيوجرسى ALLIED CHEMICAL MORRISTOWN NJ MORRISTOWN" قد حذرت مسئولى وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) من تأثيرات النفايات السامة، وجاء فى ورقة ملصقة على حاوية تحوى حمضاً كبريتياً- مازالت العهدة على جريدة التايمز وجريدة الأهرام- وهو سائل عالى السمية يستخدم فى معالجة المياه، أنه مادة تسبب حروقاً حادة للجلد والرئة، وقد دعت هذه الشركة إلى الحصول على اهتمام صحى فورى فى حال لمس المادة واستخدام قناع للغاز، وأكدت "التايمز" أنه ومع تنفيذ الخطط الأمريكية بانسحاب غالبية الجنود الأمريكيين من العراق خلال العام الحالى وإغلاق المئات من القواعد العسكرية الأمريكية، فإن مسألة التخلص من نفاياتها ستصبح موضع تساؤل، إذ إنها قد تعاد إلى الولايات المتحدة من خلال شحنها من ميناء أم القصر العراقى أو إعادة معالجتها فى منشآت بنيت خصيصاً لهذه الغاية فى العراق، مع أن مواقع دفن المواد السامة موجودة بالقرب من الطرق الرئيسية من "بغداد" إلى "الموصل" إلى "الفلوجة"، حيث تمركزت غالبية القواعد العسكرية الأمريكية خلال السنين السبع الماضية، وترى هناك مخلفات الحياة العسكرية من مصافى زيوت للآليات الثقيلة واسطوانات الغاز المضغوط وحاويات تحتوى سوائل غير معروفة.

وتؤكد الصحيفة، أنه ووفقا لتعليمات وقوانين "البنتاجون"، فإنه وحتى الحاويات الفارغة التى كانت تحتوى مواد سامة فى السابق ممنوع إعادتها إلى الولايات المتحدة، ومعروف أن بين المخلفات الأمريكية حاويات صغيرة تحتوى على مادة "الأسيد"، ترمى فى متناول الأطفال، وبطاريات للأسلحة منتهية الصلاحية ملقاة وسط الأراضى الزراعية فحجم التخريب الضخم الذى ألحقته العمليات العسكرية الأمريكية فى العراق منذ العام 2003 نتيجة حرق النفايات عن طريق الحفر والردم سوف تترتب عليه مخاطر بيئية وصحية، كما أن القنابل غير المتفجرة التى تقدر بما بين 3 و5% من القنابل والصواريخ المستخدمة، وفى المناطق التى تكثر فيها الرمال لا يمكن اكتشاف هذه القذائف بسهولة، وقد ترتفع النسبة إلى 15% فى هذه الأماكن، كما أن التلوث الإشعاعى سوف يظهر جليا، وأن هذا التلوث قد حصل على ثلاث مراحل: تشغيل المنشآت النووية (قبل الاحتلال الأمريكى)، وتدمير هذه المنشآت فى العام 1990 (بالضربة الإسرائيلية الجوية)، ومرحلة ما بعد 2003 التى استعملت فيها القوات الأمريكية المحتلة أسلحة تلويثية تحتوى على اليورانيوم المنضب.

وفى حرب الكويت، تم إلقاء كمِيات كبيرة فى المنطقة الواقعة بين العراق والكويت، وأيضا على مساحات كبيرة وواسعة من الأراضى العراقية، ذلك أن القوات الأمريكية أطلقت 940 ألف قذيفة يورانيوم منضب صغيرة، و14 ألف قذيفة دبابة، وأعدت عربتين محملتين بقذائف اليورانيوم أثناء حرب الخليج، بِهدف نشر جزيئاتها السامة فى الجو، وأسقطت 88 ألف طن من مختلف أنواع وأحجام القنابل، وهناك ما بين 270 و680 ألف كيلو جرام من نفايات اليورانيوم المنضب ترِكتها أمريكا فى ساحة العمليات بين العراق والكويت، وقد اعترفت وزارة الدفاع الأمريكية، فى شهر نوفمبر عام 2005 بأن "الفسفور الأبيض" وأسلحة حارقة قدِ استخدمت فى الهجوم على مدينة "الفلوجة"، بالإضافة للاستخدام المكثَّف لأسلِحة "اليورانيوم المنضب DU" وقد اعترفت وزارة الدفاع الأمريكية باستخدام 1200 طن من اليورانيوم المنضب فى العراق، ويرى الأطباء المختصون أن اليورانيوم المنضب يمكن أن يشكل السبب الرئيس فى الزيادة الحاصلة فى انتِشار مرض السرطان فى العِراق وبأعداد كبيرة، وقد تبين أن مستشفى الطفل المركزى فى بغداد فى منطقة الإسكان قد عاين عشرات الحالات لأطفال مصابين بسرطان الدم، ومن مختلف المدن العراقية وقد ظهرت أيضا أمراض جديدة، متمثِّلة فى تصلب وتليف الأعصاب، والذى لم تظهر أعراضه فى العراق فقط، إنَّما انتشر وبكثرة فى صفوف الجنود الأمريكيين، الذين قاتلوا بالعراق، وغيرهم من القوَّات الحليفة.

ماذا عن المخلفات البشرية؟ الحكام الذين سوف يبقون أو يعينون تبعا للقاعدة التى تقول "لا بد من موافقة أمريكا وعدم اعتراض إسرائيل على رئيس مصر القادم"، وهذا طبعا يشمل كل الحكام/الكرازايات العرب الذين أتتهم الثروة بنهب وسلب شعوبهم بعد الاستيلاء على كل ثروات الدولة التى يحكمونها وتحويل هذه الثروات لحساباتهم الشخصية، هذه الثروات التى تسخر فى جانب مهم منها لبناء قوة عسكرية وبوليسية توجه بالأساس لقمع شعوبهم وتكريس حكم بوليسى تحت راية الدعم الأمريكى المتحالف مع إسرائيل فى تناغم الحكام/الكرازايات العرب مع أمريكا والصهاينة متوحدين معا فى محاربة "العدو المشترك" الذى يشكله الشعب العربى الذى بدأ يعى المؤامرات التى تحاك ضده فلا مصلحة للصهاينة ولا اليمين الحاكم فى أمريكا ولا الحكام العرب الفاسدين، لا مصلحة لهم جميعا فى أن تصحو الجماهير العربية من سباتها الذى طال أمدا من الزمان حتى فعل بها ما فعل من مظالم وذلة وهوان.

سوف تنسحب أمريكا فى يوم من الأيام، وسوف يجد الشعب العربى نفسه فى مواجهة كل المخلفات الأمريكية السامة، وسوف يجد الشعب العربى نفسه مسئولا وحده عن التخلص من كل مخلفات أمريكا السامة من اليورانيوم المنضب ومن حكامه الفاسدين.

• كاتب وروائى مصرى








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة