أحتفظ لسيناء بداخلى بعدد من الذكريات، منها مشهد رفع العلم المصرى على طابا، إيذانا بانتهاء الاحتلال الإسرائيلى لها، ومشهد الرئيس الفلسطينى الراحل ياسر عرفات وهو يعبر معبر رفح لبناء أول سلطة فلسطينية فى التاريخ، وبين المشهدين الذين عشتهما ورأيتهما وكتبت عنهما عشرات الزيارات لكل مكان فى سيناء، بداية من العريش فور تحريرها، حتى الجنوب الذى تحول إلى أهم منتجع سياحى فى مصر والشرق الأوسط.
لكن ليست كل الأيام سعيدة فى سيناء، فمنذ تحريرها عام 1982 تعيش سيناء مشاكل لا تنتهى، بعضها نابع من تقسيمها الجغرافى إلى محافظتين، الأولى شمالية تمضى فيها التنمية كالسلحفاة، والثانية جنوبية تحولت إلى منتجعات سياحية غيرت وجه الحياة فيها، وبين الشمال والجنوب يوجد وسط سيناء الذى يتبع المحافظة الشمالية إداريا لكنه سقط من كل خطط التنمية وتحول إلى مأوى للهاربين والمطاريد.
ولا تقف المشاكل عند التقسيم الجغرافى وشح التنمية وإنما تمتد كذلك إلى منع تملك أهالى سيناء للأراضى التى يعيشون عليها منما يخلق لديهم إحساسا بانهم غير مرغوبين من الدولة التى ينتمون إليها، ودافعو عنها، ورفضوا كل الإغراءات، ومنعا محاولة إسرائيلية تحت الاحتلال لتحويل سيناء إلى مملكة مستقلة لكن قبائل سيناء رفضت هذه الخطة فى مؤتمر الحسكة الشهير.
وزاد الطين بله تعرض سيناء لموجة من الهجمات الإرهابية خلال عامى 2004 و2005، وبدا التعامل الأمنى معها غير مقبول على الإطلاق، لأنه تجاوز القواعد العرفية المعمول بها، وأبرزها التوسع فى سياسة الاعتقال، وعدم الرجوع لشيوخ القبائل لتسليم المطلوبين بدلا من المداهمات الأمنية التى استفزت سكان أهل سيناء.
وحسنا فعل وزير الداخلية حين التقى مؤخرا شيوخ القبائل، واستمع إلى مطالبهم، وتجاوب معهم، وبدأ فى مراجعة أوضاع المعتقلين، وإطلاق بعضهم، كما أصدر تعليمات بتخفيف الإجراءات الأمنية وخاصة الأكمنة على الطرق التى اشتكى منها الناس.
لكن مشكلة سيناء ليست أمنية فقط، وإنما هى فى الأساس مشكلة تنمية، فحين يتم مد الطرق وتوصيل المرافق والخدمات، وبناء مجتمعات صناعية وتجارية، سيجد أهل سيناء فرص رزق حقيقية، وستختفى البطالة، وسيعمل الناس ويكونون أسر ويفتحون بيوت، وينخرطون فى الحياة ويشعرون أنهم مواطنون يحصلون على حقوقهم الأساسية.
مشكلة سيناء أنها تقع فى أطراف الوطن، وفى مصر تعانى كل الأطراف والمناطق الحدودية من الكثير من التهميش، وحين يشعر الناس أنهم مهمشون، تتراجع سلطة القانون، ويعيش الناس وفق قوانينهم الخاصة، ويكثر الخارجون عن القانون، ويتحولون إلى مطاريد، يحملون السلاح والصواريخ كما يفعل مطاريد سيناء الآن.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة