أشرف نبوى يكتب: مصر اللى فوق.. ومصر اللى تحت

الأحد، 04 يوليو 2010 09:04 ص
أشرف نبوى يكتب: مصر اللى فوق.. ومصر اللى تحت

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كنت أجلس مسترخيا أشاهد أحد الأفلام وإذ ببطل الفيلم ينطق تلك العباره (مصر من فوق مش زى مصر من تحت) كان هذا منذ زمن، وقد كان لسفرى الدائم أبلغ الأثر فى أنى لم أعِ حقيقة ما سمعت لكنى حين أعطيت لنفسى فسحة من الوقت وفرصة كى أحتضن مصر وأشعر بدفئها عرفت الكثير وتعلمت الكثير وفهمت أخيرا.

مصر من فوق ليست هى مصر من تحت وهذا ينطبق على المعنى الحرفى والمعنى المجازى، فمصر من فوق من أعلى عمائر البلد هى مصر العراقة والحضارة والنيل الهادئ والبراح والنسمة النقية والهدوء، مصر الغنية والفتية، مصر المعز، مصر الحلم طائر الرخ العظيم الذى يبهرك وهو فارد جناحيه وناظر بكبرياء إليك، لا تستطيع إلا أن تقع فى عشقها ولو كنت من بلاد الواق واق، ولو لم تفهم لغتها أو تتعلم العيش فيها، توقعك فى غرامها من النظرة الأولى وتجعلك تسهر الليل بانتظار فجر يلقيك بين ضفاف شوارعها لتستكشف بنفسك دهشة هذا الجمال المستوطن فيها، والذى يسحرك لدرجة ويلقى بك عبر التاريخ كلما تجولت فى أركانها، ويبحر بك عبر عصور ما كنت لتراها أو تستشعر وجودها لو لم تدور فى أحياء القاهرة (التى هى تلخيص لمصر قاطبة) والتى يطلق عليها مجازا مصر، والقاهره هى مدينه أحفورية بمعنى أنك لتستكشفها وتعرفها جيدا يجب أن تغوص فى بحور تاريخها وتثبر أغوار طبقاتها فهو أحفوريه بمعنى إنها طبقات من التاريخ والحكايا لا تصل إلى طبقه إلا بعد أن تكون قد سبحت فى الطبقة التى قبلها وعرفت تفاصيل توصلك إلى ما بعد تلك الطبقه بتاريخها ومفراداتها التى تدهشك وتلقى بك فى غياهب سحيقة كلما حاولت فك طلاسمها، وهى على جمالها ليلا ومن فوق صاخبه نهارا متعبة ومزعجة، كأنما هى شخصيتان مختلفتان تماما سيدة أرستقراطية أنيقة ليلا خاصة إذا كنت تراقبها من فوق، وأمرأه غاضبة قبيحة وصاخبة نهارا خاصة إذا رأيتها من خلال منظر مقرب واختلطت بأرتال البشر التائهين فى شوارعها والباحثين عن فتات الخبز فى أركانها الفسيحة والتى تضيق بهم من كثرتهم.

مصر من فوق هى مجتمع الواحد فى المائة بقصورها على النيل وفيلاتها الشامخة الثرية وناسها المختلفين فى كل شىء والمتفقين فقط فى كونهم صفوة أغنياء مصر ورواد الليل وعشاقه فصفقاتهم لا تتم إلا فى عتمة الليل، وتقاسم غنائم مصر لا يكون إلا فى ظلمة تحفظ للأمور سريتها خاصة حينما تتم فى مصر الأبراج والفنادق الشاهقه، ومصر من تحت هى مجتمع التسع وتسعين الباقية، هى مصر البحث عن لقمة العيش ومصر الفاقة والعوز مصر الكفاح من أجل استمرار النبض فى العروق وفقط، مصر العرق والجهد، مصر اللهاث، مصر الرشاوى والدروس الخصوصية، باختصار مصر الألم.

ولأننا من أصل فرعونى فنحن نميل للشكل الهرمى لكنه هنا هرم ذو قاعده كبيره جدا ورأس واحد ينتمى إليه نسبة ضئيلة هى من تملك جل ثروات مصر، وتتحكم فى مصائر شعب بكامله، من يتمتعون بممارسة نخاسة العصر الحديث، من يحددون سعر الإنسان وكم لقمة يستحقها كى يحافظوا عليه كسلعة تعود عليهم بالربح، لا لكى يشبع أو ينعم، وهم يعتنقون فلسفه مفادها أن أى أنسان يشبع سيبدأ فى التفكير وهذه آفة يخشون ان تصيب أى كان فيهلك ويهلكون معه، مصر اللى فوق تختلف كليا عن مصر اللى تحت، فى الشكل والمعنى، لكن لماذا ومتى حدث هذا ؟ سؤال خطير وددت لو لم أجد له إجابه لعلى كنت استرحت، لكن للأسف للأنى اعملت عقلى الذى أريد له دوما من قبل سادتنا أن يتعطل فقد توصلت لبعض الأجوبة عن أسئلة مكان يجب أن تطرح أصلا بأمر سدنة النظام وأعمدته، لأن طرح الأسئلة هو بداية الصحوة، والإجابة عنها سيكشف الكثير من المستور الذى حرص سادتنا على إخفائه وطمره مع عقولنا التى ظلوا يكررون علينا أن هلاكنا سيبدأ مع استعمالها، ولعل أخطر ما توصلت إليه هو هل كانت مصر هكذا دائما؟ لا لم تكن مصر حين تنظر لتاريخها وبرغم أن حالتها الأقتصاديه لم تتغير كثيرا على مر المائة سنة الأخيره إلا إنها كانت أفضل وأنظف وأجمل فيما سبق، وأنا لا أتفق مع من يرجعون ما حدث للزيادة السكانيه فهذ ا أمر طبيعى ولسنا بأكثر تعداد من الصين ولا نستطيع أن نقارن الزحام ونصيب الفرد من المساحة ببلد مثل اليابان مثلا، إذن لماذا حدث هذا فى مصر؟ ببساطه لأننا غفونا وركنا إلى الراحة لم نحلم أن نكون أمة عظيمه، ولم يوجد من يضع نواة لمشروع قومى نلتف حوله ولم يفكر أى قائد فى مصر ككيان يجب علينا تطويره والحفاظ على ثوابته، بل إن الجميع فكر بطريقة قاصره اما عن عمد او عن جهل فلم يكن أى زعيم قاد مصر خلال الخمسين سنه الماضيه مؤهل لقيادة بلد عظيمه بحجم مصر.

وأنا لست ناصريا أو ساداتيا ولا أخاف من النظام الحالى، بل أنا مصرى يحب هذا الوطن، ولا أشكك فى وطنية الأول والثانى، لكنى على يقين من أن الظروف التى وضعتهم فى طريق سدة الحكم هى ظروف عابرة ولو صدقوا مع أنفسهم كان حريا بهم أن يسلموا الرايه لمن يستطيع أن ينهض بهذا الوطن ويستطيع بفكره أن يوجد منظومة نجاح نهضوية تسهم فى إحداث نهضة شاملة تغير وجه مصر وتضعها فى المكانة التى تستحق كدولة لها تاريخ وبها من الكفاءات الكثير ومن العقول من ينتظر الفرصة كى يعطى ويسهم فى إحداث تلك النهضة، وكان من نتاج اندفاع كل من تولى قيادة هذا الوطن وراء مزاعم جوقة المستفيدين أن تلاطمت المصالح كما تتلاطم الأمواج وعجز الربان عن قيادة السفينة، خاصة وأن الكل كان يطمح إلى نيل النصيب الأكبر من الغنائم، ونجح أباطرة الانفتاح ومن قبلهم مراكز القوى، وسماسرة بورصة البشر من بعدهم فى تغيير وجه مصر الجميل، وتشويهه، والقضاء على كل قيمة وفضيلة، بل وتمادوا بغيهم فى تحويل بقايا النفس المصرية الأصيلة بكل ما تحمله من شهامة وعزيمه وجلد، إلى نفس اعتمادية متواكلة وأجيال متنافسة فى مسابقات تافهة ورياضات غير مفيدة وكليبات ماجنة ليستمر مسلسل التدمير المتعمد لمصر البشر بعد أن باعوا مصر الأرض واستباحوا كل أرضها، لم يكن هناك بد من وضع مرآة أمام وجوهنا لنعرف قبح أنفسنا ونعرف أن مصر الأن ليست مصر اللى فوق واللى تحت بل هى مصر اللى تحت وفقط هذا بالنسبة لجموع أبناء الوطن، أما مصر اللى فوق والتى تضاءلت كثيرا لتحتضن قلة قليلة لا أحسبهم من أبنائها بل هم لقطاء تجاسروا فأخذوا حضنها مكان أبنائها الشرعيين، والسؤال الآن: هل نستطيع أن نجعل مصر من تحت مثل ما هى من فوق؟، هل نستطيع أن نعود لحضنها؟ وكيف نقوم بهذا؟





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة