فى البداية أعتذر عن وضع اسمى ليمثل نصف عنوان المقال، وأقسم أننى لست شوفينياً متعالياً بفكرة ما، أو بموضوع أو بحث معين، وأدعى أننى لست المغرور أو الدعى الذى يزعم امتلاك صحيح التفكير أو المنهج الأكثر منطقية.
ولكن أنا فقط هنا أقلد نمط أداء من أُُطلق عليهم "الشيفونيون" فهم يمثلون الامتداد الغريب لأصحاب ذلك النهج على طريقتهم، فهم لم يكتفوا بالتعصب السلبى، كما كان حال النخب التى حملت الأفكار الشوفينية منذ الثلاثينيات وحتى الآن.
فلقد ذهبوا وهم من الفقراء فكرياً ومعرفياً إلى تشكيل جوقة من البسطاء لإثارة الأفكار الضحلة الداعمة للتقسيم والتجزئة على أسس طائفية ومذهبية، وإثارة الزوابع فى الفناجين.. وإلى حد إطلاق أحكام على الناس والمؤسسات والأنظمة على مدى المواطنة، ودرجة الوطنية، ومستوى الانتماء، وعليه فقد كان على كاتب السطور بالأصالة عن نفسه وبالنيابة عن كل من سيتم وضعه فى دوائر التقييم أن يختصر الطريق على الشيفونيين الجدد!!
مسكين أى مواطن يُدلى برأيه، ويا ويله إذا كان رأيه إلى حد ما مقروء أو مرئى كمواطن صاحب رأى، ويا سواد ليله إذا كان رأيه يتعلق بأداء مؤسسة دينية أو سلوك رجال دين، أما الطامة الكبرى والمصيبة الأعظم إذا كان الخلاف على قراءة نص دينى بما يًخالف ما استقر عليه من سبقوا وفسروا وشرحوا، وبات من الأمر المُسلم به أمر صحتها، وإلى أن صارت من المقدسات التى لا يجب الاقتراب منها حتى لو كان من باب محاولة الوصول إلى درجة إيمان المؤمن بها، أو بهدف حسم الجدل حول ما يُطرح من تأويلات مختلفة، والذى قد يزيد من مساحات قناعة الناس بذلك الفهم المتفق عليه لو أن أصحاب تلك التفاسير لديهم من الأسانيد القوية والبراهين المقنعة..
حول مقال لكاتب السطور عن علاقة الأقباط بثورة يوليو تم نشره فى عدد تذكارى بديع لمجلة المصور، كان الحوار فى إحدى حلقات برنامج مانشيت الذى يقدمه الصحفى جابر القرموطى ابن الحتة القريب لضيوفه ومشاهديه فى بساطة وحضور.. وعرضت حديث المواطن المسيحى حول بعض السلبيات التى لن ينساها من عاشوا بدايات الثورة، ولكننى أكدت على العديد من الإيجابيات التى يحفظها بكل العرفان، كل من قرأ تاريخ تلك الفترة بعين منصفة، حرصت فيها الثورة على سد منابع الخطر الذى قد ينشأ عن ترك الفرص لارتكاب التمييز على أى أساس.. مثل قرار مجانية التعليم، وإنشاء مكتب التنسيق، التعيين عبر مكاتب القوى العاملة دون شروط، وإقامة المساكن الاقتصادية والتعاونية للبسطاء دون تفرقة.. الخ.
وقامت الدنيا ولم تقعد، فكيف أذكر أن للثورة إيجابيات، ونسوا المشهد العبقرى للرئيس عبد الناصر، وهو يضع حجر الأساس للكاتدرائية، وكيف قرر دعم تكاليف البناء، وأعتقد أنها المرة الوحيدة التى تساهم فيها الدولة فى إقامة بناء دينى مسيحى بتلك الضخامة بمقاييس تلك الفترة.. لقد كال تلاميذ وجوقة أصحاب الأحكام السابق الإشارة لهم فى بداية الكلام للعبد لله الشتائم والسباب والاتهام بالخيانة والعمالة.. باسم الدين والدفاع عنه يتحدثون، فهل علمهم أشاوس بلاد المهجر ونجوم الفضائيات أن كل من يتحدث برأى لا يدعم حالة الهياج والمظاهرات والشكوى ولطم الخدود التى يمارسونها بسبب وبدون سبب لابد من وضعه فى مرمى هدف أصحاب مناهج التشدد الجاهل والمقيت، وأسأل متى يفيقون؟!