أعاد الرئيس مبارك ملف المياه إلى الحضرة الرئاسية، بعد أن ثبت للجميع أن التعامل عبر الوزراء لا معنى له، فهم فى الغالب ناقلو رسائل وليس لديهم صلاحيات، وهذا أحد عيوب المركزية الشديدة التى تميز بها حكم الرئيس مبارك، خصوصا فى ملف الخارجية.
هذه العودة، رغم أنها متأخرة، إلا أنها مطلوبة ومحمودة أيضا فأفريقيا التى كنا نتعامل بها عبر وكلاء الوزارات ورؤساء شركات التصدير والاستيراد، أفريقيا التى كانت تنظر إلى مصر بعين الاهتمام والاعتبار والاحترام لم تعد تفعل ذلك اليوم وأعنى منذ عشر سنوات بعد أن تحول معظمها من حالة الاحتلال إلى الاستقلال ومن الفوضى إلى النظام ومن القبلية إلى الدولة المدنية.
أفريقيا هذه باتت تبحث عن نموذج للتقدم والتنمية وليس قائدا للثورة والتحرير.. تغيرت عقلية أفريقيا ولم تتغير عقلية الإدارة المصرية وظلت على فكرتها القديمة عن أفريقيا وكأن طوابير الدبلوماسيين فى الخارجية ومراكز الأبحاث والدراسات توقفت عن العمل وعن تقديم أفكار جديدة للإدارة المصرية لتستفيد منها فى إعادة صياغة العلاقة مع أفريقيا، أو ربما فعلت ولكن الإدارة لا تريد أن تغير من مواقفها لأسباب لا نعلمها على وجه التفصيل.
أفريقيا اليوم على أعتاب قيام اتحاد على غرار أوربا– قد يطول الزمن– ولكن ضربة البداية انطلقت ومصر بعيدة عن مواقع التأثير فيها وتركت الساحة للشقيقة ليبيا والمستقلة حديثا جنوب أفريقيا.
لم تدرك الإدارة المصرية أن أفريقيا مهمة إلا بعد أن تفجرت أزمة مياه نهر النيل مؤخرا وبعد أن فشلت جهود الوزراء المعنيين بالملف المرة تلو أخرى ويبدو أن الأشقاء فى أفريقيا يعتقدون أن مصر لا تزال تتعامل معهم بطريقة متعالية لا تناسب وضعهم الجديد.
ولا أتصور أن ملف المياه يمكن حله إلا إذا تواضعت مصر قليلا ورفعت مستوى التمثيل فى المفاوضات ليكون ملفا رئاسيا خالصا أى أن ينخرط الرئيس مبارك ويستثمر ما تبقى له من رصيد لدى ما تبقى من الزعماء التاريخيين فى أفريقيا، من أجل تحريك ملف المياه وملف أفريقيا بالكامل.
وبطبيعة الحال، فإن مؤسسة الرئاسة وحدها لن تكون كافية للتأثير فى أفريقيا، بل إننا كشعب يجب أن نتواصل عبر مؤسسات المجتمع المدنى، وهنا أرحب بمبادرة اتحاد الأطباء العرب بتقديم الدعم الطبى والإغاثة لتكون عونا للسياسة المصرية فى تعاملها الجديد– إن صح – مع أفريقيا.
لدينا الأزهر الشريف، ولدينا المنح الدراسية، ولدينا مستثمرون ولدينا أسواق تستوعب ولدينا الكثير من الأفكار ونحتاج إلى أفكار أكثر إبهارا وإبداعا من أجل العودة إلى حضن ماما أفريقيا من جديد.
آخرالسطر
العلاقات الخارجية ليست حكرا على الحكومة أو وزارة الخارجية، إنها شبكة متعددة الأطراف، يكون فى مقدمتها التواصل الشعبى– الدبلوماسية الشعبية.. أكيد سمع عنها السادة فى وزارة الخارجية.