معصوم مرزوق

عملية تجميل فاشلة

الجمعة، 30 يوليو 2010 06:05 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
قد تصلح جراحات التجميل لإعطاء وجه أكثر طزاجة لامرأة حيزبون، لكنها لن تعطيها الروح أو تطيل فى عمرها، مجرد رتوش مؤقتة قد تخدع على البعد أو لفترة زمنية محدودة، ويبقى القبح كامنا فى الروح، ينفر الآخرين ويقضى فى النهاية على صاحبه.. ماذا يجدى تجميل الوجه إذا تقبحت الروح؟

إن ما يصلح وصفا للبشر العاديين، يصلح فى هذا المجال وصفا لبعض السياسات، فقد ينجح سياسى ماهر، أو نظام سياسى محنك، أن يضع قناعا جذابا كى يخفى قبح وجه سياساته، إلا أن المشكلة تكمن فى أن الحكم على السياسات لا يستند على الأقوال والتصريحات، وإنما على الأفعال والتصرفات، أو بمعنى أدق ليس على شكل تلك السياسات، وإنما على موضوعها وجوهرها، فذلك هو بيت القصيد.

وحتى لا يكون حديثنا مجردا، فلنأخذ مثلا من الواقع القريب، فسياسة الحكومة الإسرائيلية من حيث الشكل تضع قناعا ملونا براقا يتحدث عن سلام بديع منشود، ورغبة جامحة فى تحقيق الأمن، ولكن أى سلام وأى أمن؟؟

السلام الليكودى عبارة عن عملية ترقيع شكلية لإخفاء مضمون توسعى عنصرى يهدم أساس عملية السلام وروحها، والأمن الليكودى عبارة عن مبالغات تصل إلى حد مطالبة الأطراف الأخرى بحماية الأمن الداخلى فى إسرائيل ذاتها، وتدخل هذه المبالغات فى إطار عملية الترقيع سالفة الذكر.

أى أن السلام فى مضمون السياسة الحالية لإسرائيل هو فى الواقع تفريغ لجوهر السلام نصا وروحا، والأمن هو ورقة ضغط لإيجاد المبرر التفريغى لعملية التوسع فى بناء المستوطنات، يفرغ قضية السلام من موضوعها الأساسى، فلا يحتاج الأمر لذكاء شديد كى يتضح أن صلب المفاوضات وأية اتفاقات سابقة أو محتملة تدور حول الأرض المحتلة، ولا يمكن أن نتصور استمرار عملية السلام بعد أن صادر أحد أطرافها على موضوعها الأساسى.

ومن ناحية أخرى فإن المبالغة فى تقدير عنصر الأمن فى هيكل السلام، تؤدى إلى عكس المطلوب من زاويتين: أولا: إذا كان هذا العنصر يمثل قلقا حقيقيا لإسرائيل، فإنه يتحول أو ينبغى أن يتحول إلى ورقة ضغط لصالح الطرف الفلسطينى، وليس العكس، ثانيا: إنها إشارة للعناصر الفلسطينية التى لا توافق على أوسلو "بتصعيد عملياتها لهدم هذا الاتفاق"، وهى إشارة أيضا للمتطرفين فى المجتمع الإسرائيلى، فهل يتصور أحد أن السياسة الإسرائيلية تعمل لتحقيق أهداف تتعارض بالفعل مع الأمن بمفهومه الحقيقى؟ ولا شك أن الإجابة بالنفى هى الأكثر قبولا، ولكنها فى نفس الوقت تؤكد إشكالية الاستناد إليها لأهداف تبريرية فى المقام الأول للتملص من التزامات السلام الحقيقية.

فإذا كان ذلك كذلك ـ وهو كذلك! فنحن إذن قبالة محاولة تجميلية لسياسة قبيحة، والسؤال الآن هل تنجح هذه المحاولة؟

التاريخ يحدثنا عن محاولات مشابهة، ولدينا لحسن الحظ نتائجها، لقد حاول هتلر أن يستخدم أسلحة تجميلية كثيرة كى يخفى سياساتها القبيحة، وخدعت العالم بالفعل فى البداية، وحققت بعض الإنجازات لألمانيا النازية، إلا أن النهاية كانت كارثة على العالم وعلى ألمانيا ذاتها، نفس القياس يمكن استخدامه لوصف الحرب فى فيتنام وأفغانستان وغيرها، فأنت تستطيع أن تخدع الآخرين لبعض الوقت، ولكنك لن تستطيع ذلك بلا نهاية، ثم إن المصيبة هى أن تكون أنت أول من صدق الأكذوبة التى اخترعتها.

لقد تحدث كثير من المحللين، وبعضهم إسرائيليون، وأوضحوا أن نتنياهو يحدث ضرراً لإسرائيل أكثر مما كان يمكن للعرب أن يحدثوه، وتلك حقيقة قد لا تبدو على المدى القصير، ولكنها مؤكدة على المدى البعيد، فهو يؤكد بسياساته أنه لا يمكن الوثوق بالتعهدات الإسرائيلية، وأنه لا سبيل للتعايش بين العرب وإسرائيل، بل إنه يعتبر حاليا المعلم الأول لمعارضى فكرة السلام، وهو يزود الجانب العربى الرافض بالذخيرة الكافية لمقاومة الدولة العبرانية.

وبافتراض أن السلام سوف يخيم يوما على شرقنا السعيد، وعلى أساس أن السلام لم يدرج بعد فى قائمة الغول والعنقاء والخل الوفى، وبتصور أن حكومة إسرائيل سوف تقبل ذات يوم بحقيقة أن السلام أكثر حيوية لها من العرب، وبأن الزمن هو عنصر يعمل فى غير صالحها، وبأن منطق التاريخ ولغة البديهيات تؤكد أن الشعب الفلسطينى موجود وسيبقى وسينال حقوقه المشروعة، وبأن إسرائيل إما أن تقبل بكونها إحدى دول الشرق الأوسط، أو تصر على الاستمرار كعضو غريب مزروع سيلفظه الجسد الإقليمى إن آجلاًَ أو عاجلاً لو تحقق ذلك التصور الذى يبدو مبالغا فيه، فما هى طبيعة السلام المنتظر بين إسرائيل المعدلة وجيرانها العرب فى الإقليم؟

يذهب الطموح الإسرائيلى إلى أن العلاقات العربية - الإسرائيلية ينبغى أن تتجاوز العلاقات الطبيعية التى تعارف عليها المجتمع الدولى، لذلك فاصطلاح التطبيع Normalization يعنى فى القاموس الإسرائيلى انفتاح الإقليم لإسرائيل بلا عوائق أو حواجز مهما كانت طبيعتها سياسية أو اقتصادية أو ثقافية أو دينية، وبغض النظر عن الحقيقة السياسية التى تؤكد أن العلاقات الطبيعية بين الدول لا تعنى انتفاء الصراع الناشئ عن اختلاف المصالح طبقا لظروف وأهداف كل دولة فى إدارتها لعلاقاتها الدولية.

وإذا نحينا جانبا حقيقة أن السلوك الإسرائيلى حتى الآن لا يبرر حجم طموحها، فإنه حتى فى أكثر الأوضاع مثالية يستحيل تحقق هذا الطموح حتى لأعظم دولة فى العالم، وقصارى ما يمكن أن يتحقق هو أن تصبح إسرائيل مجرد دولة أخرى من دول المنطقة بوزن يتناسب مع سلوكها وأسلوب إدارتها لعلاقاتها الخارجية مع باقى دول الإقليم.

لذلك أعتقد أن جزءاً من مشكلة الحكومة الحالية فى إسرائيل والتيار السياسى الذى تمثله هو أنهم يتوهمون أمرين:
إن إسرائيل لا يمكن أن تكون مجرد دولة أخرى فى المنطقة، وإنما هى دولة بشرطة أو.State-Plus.

إن دول وشعوب المنطقة لا حول لها ولا قوى سوى الإذعان لهذه الفرضية الخاطئة، وهذا التوهم يصاحبه إغفال للحقائق التالية:
إن السلام الطبيعى وإن كان يعنى انتهاء حالة العداء، فإنه لا يعنى بالضرورة القفز إلى حالة الصداقة والتعاون التى تحكمها اشتراطات أخرى.
إن وزن إسرائيل النسبى فى المنطقة قد يؤهلها للعب دور ما يتناسب مع وزنها الذى يستحيل أن يؤهلها لقيادة الإقليم أو التأثير الشامل فيه.
إن عناصر القوة الشاملة لا تقتصر على الإمكانات العسكرية وحدها، بل إن هذه الإمكانات ـ رغم أهميتها ـ ذات طبيعة مؤقتة ونسبية، ومن المفروض انعدام تأثيرها فى حالة إحلال السلام، ويبقى بعد ذلك الثقل الديموجرافى والثقافى والإمكانيات الاقتصادية الموجودة والمحتملة.

إن أمن الإقليم هو وحدة لا تتجزأ، ولا يمكن أن يتحقق الأمن الكامل لوحدة من وحداته على حساب وحدات أخرى، كما أن عدم الاستقرار فى وحدة ما يؤثر فى باقى الوحدات بشكل يشبه لعبة الدومينو أو مايسمى Domino Effect..

إن هذه المنطقة، شأنها شأن أية بقعة جغرافية فى العالم، بها ما يسمى الدول المفتاح أو Key Countries، وهذه التسمية تعكس بالفعل حقيقة تاريخية وجيو استراتيجية مفادها باختصار أن الولوج إلى الإقليم لا يتم إلا من بوابات هذه الدول.

وأخيرا فإن إغفال ما لهذا المنطقة من ميراث تاريخى حضارى وإنسانى وثقافى، والتعامل معها بمفردات حقبة الفتوحات والكشوف الجغرافية والاستعمار هو أكبر خطايا الفكر الإسرائيلى الحالى.

وآخذاً فى الاعتبار بكل ما تقدم، فليس هناك أدنى شك فى أن علاقات إسرائيل بدول الإقليم سوف تكتسب بمرور الوقت خصوصية معينة إذا تخلت عن الأوهام سابقة الذكر، وسلمت بالحقائق التى تتغافلها أو تجهلها أو تتعالى عليها، ذلك أن الجوار الجغرافى له فى نهاية الأمر طبيعته الخاصة التى تصبغ علاقات الإقليم البينية بصبغة مميزة تختلف عن العلاقات مع دول من خارج الإقليم، وبهذا الفهم وحده يمكن أن يتحقق حلم الأجيال المتعاقبة بأن يحل السلام أخيرا على أرض الشرق التى سبق لها أن صدرت هذا المفهوم إلى البشرية جمعاء.
* عضو اتحاد الكتاب المصرى








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة