تمنعنى من الدخول اللمبة الحمراء أعلى باب الاستوديو ..تُطفأ .. طرقات روتينية ثم أدخل، يحينى زميلى بابتسامة تحمل إرهاق السنين المؤجل ..تشتعل اللمبة الداخلية المجاورة للميكروفون ( نحن على الهواء ).
أيها الأصدقاء لحظات قليلة وتبدأ معكم فترة إذاعية جديدة بصحبة الزميل مصطفى زهران ..نرجو ان تستمتعوا بكل ما نقدمه فى الفترات القادمة .
يغادرنى زميلى ناسيا ابتسامته ،وأصوات مستمعاته الهامسة ،وشاشة تليفزيون الاستوديو المطفأ الصوت .
- هنا القاهرة ..
- خير بداية لفترتنا القرآن الكريم ..القارئ الشيخ محمود الطبلاوى يتلو علينا ما تيسر من سورة النساء .
أترك الأثير للشيخ الطبلاوى ،وأنتبه لشاشة التليفزيون غير المشفرة.
يلحق توم كروز بها على حافة دائرة مياة الشلال ..تختلط ضحكاتهما برزاز الماء المنحدر ..يطوقها بين ذراعية فيلتصقا ..يقبلها وينتهى من فك أزرار قميصها ..تتناثر ملابسهما على الشاطئ الدائرى ثم يختبئان تحت الماء عاريين.
يعنى أيه لفينا البلد سوا ومسكت إيدى ..هو إنت ....؟
تُغلق السماعتان – بقرار من الطرفين – مع آخر حروفها المنقطة ، ويبدآن فى التقيؤ .
تشتعل اللمبة.
تلا علينا القارئ الشيخ محمود الطبلاوى ما تيسر من سورة النساء.
- هنا القاهرة..
أيها الاصدقاء ..والآن جاء موعدنا مع الغناء
نستمع الآن للمجموعة تغنى ..تعيشى يابلدى
- واضح أننا توهنا ..الميدان ده موش غريب على ..شكلها كده فيها مخالفة مرور
- صحيح موش عارفة إحنا فين ؟
- إحنا فى ميدان العتبة ولو ...
تقطع حديثه بضحكة مفاجئة متواصلة ..أعتقد أنها تضحك بالنيابة عن كل من فى الميدان .
- بتضحكى على إيه ؟ يقولها مبتسما .
- أصل ميدان العتبة بيفكرنى بناس أصحابنا اشتروه قبل كده .
يشعر بالخجل ثم يشاركها الضحك ،ويستمران يضحكان بالنيابة عن كل العاشقين فى المدينة .
تعلو شفاههما فوق صفحة الماء ..تقول وهى تلهث :
من أجلك سأتحدى كل جيوش الرفض ، وسألقى بعلوم المنطق فى هذا النهر ..أحبك
يسحبان الماء فوق جسديهما ويكملان التحدى .
رنين يائس يستقبله وهو يفتح باب شقته ، يلقى بحقيبة سفره ويرفع السماعة ،يأتيه صوتها:
- لماذا كل هذا الغياب؟ لقد وعدتنى بأنك لن تطيل فى سفرك ..أنت لا تعرف كم عانيت فى غيابك ..كانوا يأخذونه إلى مكان مظلم يفضى إلى دهليز ضيق مملوء بالأشباح وينهالون عليه بالسياط ..يمزقنى صراخه..أحاول أن أخلصه منهم ، ولكنه يرفض محاولتى ويستمر فى الصراخ ..أستيقظ مذعورة ..لقد فعل من أجلى كل شئ ..من أجلى عقد الصفقات وخاصم الناس وأحاطنى بالحراس ..لكنك كنت تأتينى ، تشاركنى وسادتى ، تضمنى بشدة فأبحر داخلك ..أختبئ داخل ضلوعك واستيقظ عاشقة للصباح .
تشتعل اللمبة .
هنا.. القاهرة ..
أيها الأصدقاء نحييكم ونقدم لكم موجزا لأهم الأنباء، يقرأه عليكم مصطفى زهران:
- أعرف أنك عائدة، وأعرف أن عيونك الممطرة لن تقنعنى بتصديق أحلامك ..ولكن أعاهدك أن هذه المرة لن أتركك إلا وقد حققت أمنياتك التى لا أحبها .
أيها السيدات والسادة ..من القاهرة قدمنا لكم موجزا لأهم الأنباء ..شكرا على حسن متابعتكم.
لا يزال حتى الآن لا يعرف لماذا كانت هذه الفترة الإذاعية آخر عهده بالعمل فى استوديو الهواء.