استباحة الأعمال الإبداعية ظاهرة تؤرق المبدعين وذوى الطاقات الخلاقة فى كافة أنحاء العالم، لذا فقد سنت القوانين الدولية للحد من هذه الظاهرة. وعلى مستوى الدول، وفى كثير من البلدان توجد قوانين لحماية الملكية الفكرية من الاعتداء أو السرقة. ولم تسلم مصر بطبيعة الحال من هذه الظاهرة، فالسرقات أو الاعتداءات على حقوق الملكية الفكرية تطال كل شىء، والفن التشكيلى هو أحد الجوانب الإبداعية التى لم تسلم من هذا السطو والاعتداء، خاصة مع وجود قدر من التهميش لدور هذا النوع من الإبداع جعل منه مادة مستباحة للجميع.. فكثير من الفنانين المتواجدين الآن على الساحة، أو حتى من الراحلين قد تعرض للسطو بشكل أو بآخر على وجه سافر ودونما أى وازع من ضمير.
نعم هناك اعتداءات على المبدعين فى كافة المجالات، والفنان التشكيلى ليس استثناءً، لكن هذه الاعتداءات والسرقات التى يتعرض لها المبدعون فى المجالات الأخرى قد تتخذ أشكالاً عدة ومختلفة بدءاً من السرقة المباشرة لأجزاء قلت أم كبرت من عمل المبدع دون الإشارة من قريب أو بعيد للأصل أو المرجع، لكن تظل السرقة أو السطو فى هذه الحالة قاصرة رغم كل شىء على جزء من إبداع هذا المبدع. أما مشكلة الفنان التشكيلى فهى أعقد من ذلك، وهى تتلخص فى كونه يقدم نوعاً يتمتع بالخصوصية إلى حد كبير. فعمل الفنان التشكيلى يتم رؤيته مكتملاً، ولا يرى مقسماً إلى أجزاء أو فصول أو مقاطع تأخذ حيزا زمانيا حال قراءتها أو الاستمتاع بها. وبناء عليه فإن سرقته لا تتم أيضا باقتباس جزء منه، لذا فالسطو فى حال العمل الفنى سواء كان لوحة أو تمثال أو صورة فوتوغرافية أو غيرها يتم كاملا.
ويالها من مرارة يشعر بها الفنان التشكيلى حين يرى عمله منشورا أو مطبوعا أو يتم استخدامه بأى شكل من الأشكال دون الرجوع إليه، بل دون حتى التنويه أو الإشارة لصاحب العمل!
يمكنك أن تنظر إلى الأمر ببساطة، وألا ترى فيه أى سبب يستدعى كل هذا الحديث، لكن دعنا من الحال التى يتمتع بها الفن التشكيلى كأحد الوسائط الإبداعية التى ليس لها نصيب من الاهتمام المجتمعى كغيرها من الوسائط الأخرى، على الرغم مما يعترى ذلك من قصور وسلبية يطول الحديث عن شرح أسبابها ودوافعها فى بلد ينضح تاريخه فناً وجمالاً أبهر الدنيا وأنار ظلمات التاريخ.. بعيداً عن هذه المكانة الهامشية التى تتمتع بها اللوحة أو التمثال فى زماننا، علينا على الأقل أن نتعامل معه من منطلق أنه جهد وعمل أشخاص تعبوا فى إنجازه وإبداعه.
أقول هذا الكلام وأنا أتأمل كلمات الفنان إيهاب لطفى المستغيثة من جراء السطو على أعماله وطباعتها على بوسترات ودعوات أحد المهرجانات التى تمت إقامته أخيرا فى قاعة المهرجانات بمكتبة الإسكندرية، دون استئذانه أو الإشارة إليه من قريب أو بعيد، بل وحتى نفيه تماما من الوجود بادعاء أن هذه الأعمال تخص شخصاً آخر أشير إليه بالاسم، وذلك حين سأل هو عن صاحبها متقمصاً دور المخبر.
هذه ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة.. الفنان إيهاب لطفى وهو فنان مجتهد يعمل بعيداً عن المؤسسة الرسمية، يرى أن ثمة قصوراً فى القوانين المنوط بها حماية الملكية الفكرية خاصة فيما يتعلق بالفن التشكيلى، وهو يناشد الدكتور إسماعيل سراج الدين رئيس المكتبة للتحقيق فى الأمر، ليس بهدف الحصول على تعويض أو مقابل، ولكنه يطلب حقه الأدبى فقط.
وأنا أتفق معه فى أن الأمر قد يكون متعلقاً ببعض نواحى القصور أو الثغرات فى قوانين الملكية الفكرية أو غيرها من القوانين واللوائح. لكنى أرى أيضا أن الأمر أكبر من هذا وأعقد بكثير من حزمة قوانين أو إجراءات.. فثمة جوانب أخرى كثيرة تتعلق بمنظومة مجتمع، والأمر جد خطير، فمثل هذه الأفعال إذا ما استشرت فى مجتمع دون رادع أو أى وازع من ضمير أو مسئولية فثمة خلل ما، بل ثمة انهيار وتراجع فى بنية القيم السائدة، والتى تنظم الحد الأدنى من العلاقة الأخلاقية بين أفراد هذا المجتمع. فالسطو على حقوق المبدعين ليس أمراً هيناً بالمرة، بل هو مظهر من مظاهر التراجع والنكوص لابد أن تدعونا إلى المراجعة والتأمل.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة