مظاهرات الطلبة احتجاجاً على "صعوبة" امتحانات الثانوية العامة مؤشر رئيسى على الذى حدث للمصريين.
خلال الأربعين عاما الماضية، اكتست العلاقة بين المدرس وتلميذه بـ"الندية"، الأمر الذى لم يكن متصوراً قبل ستين عاماً.
بدأت الأزمة كما يرى البعض من نهاية الثمانينات، بعدما عاد جيل "ليس قليل العدد" من أبناء المصريين الذين نشأوا فى دول الخليج، محملين بـ"ثقافة الخليج"، وأتم هؤلاء مع آبائهم الإجهاز على صورة المدرس، التى كانت قد بدأت فعلا فى التداعى كإحدى النتائج المنطقية التى خلفتها سياسة "انفتاح" السبعينات.
عرف المصريون بعد عودة أبناء العاملين فى الخليج، مفاهيم "اللى معاه قرش يسوى قرش"، و"الجنيه غلب الكارنيه"، ومع نزعة "شديدة المادية" استشرت فى الشارع، تحولت الصورة من "الالتزام نحو المدرس"، إلى "التزام المدرس" نحو مجموعة من الطلبة، يغطى آباؤهم احتياجاته الشهرية!!
لم يحدث فجأة، أن تحول المدرس من "كيان للتربية" إلى "أداة ملتزمة" بتجاوز الطالب الامتحان، بصرف النظر عن مجهودات الطالب، أو مؤهلاته الشخصية.
ولما عادت طوفة أخرى من المصريين بأبنائهم من الخليج بداية التسعينات، عرف الشارع، ومسلسلات التليفزيون وسيناريوها السينما مصطلح "بتعلم بفلوسى"، الذى تزامن مع ظهور مدارس خاصة كمشاريع استثمارية كانت أشبه بسلاسل السوبر ماركت.
"مدارس السوبر ماركت" لا كانت مؤهلة لتعليم الأطفال، ولا التربية كانت على قائمة أهدافها، ربما لذلك، ومع عوامل "وراثية" أخرى، انتظم أبناء العائدون من الخليج بمدارس السوبر ماركت، بمفهوم أنهم الأفضل "لتفوقهم المادى"، مع مزيج من إحساس بعدم الانتماء والبحث عن "هوية" فى مجتمع بدا غريباً عليهم. إلى أن ظهر مصطلح "كى جى تو".
لم يتداول المصريين مصطلح "كى جى تو" قبل منتصف التسعينات، رغم تواجد مدارس لغات لها تاريخها الذى لا يقارن بمدارس "السوبر ماركت".
ترديد أطفال الحضانة مصطلح "كى جى تو" فى حد ذاته كانت إشارة أولا إلى أننا – كأطفال - مختلفون، وثانيا أننا نشترى بضاعة "غالية" لقدرتنا المادية، وثالثا أننا "ذو ثقافة مختلفة" لا يقدر عليها إلا القادرون فى هذا المجتمع!
ثقافة "الخليج"، هى التى أدت إلى عالم "الكى جى تو".. كانت ميغة، وضع المدرس الذى أصبح غريباً معها.. كان منطقياً، ففى الوقت الذى عقدت فيه المقارنات بين المتقدمين للزواج على أساس مبلغ المهر، ومكان الشقة.. وماركة السيارة، كان المدرس نفسه محل مقارنات بينه وبين تلاميذه، فهم يملكوا، وهو لا يملك، هم يذهبون لمدارسه بالسيارات، وهو يجرى بين وسائل المواصلات العامة، هم يوفرون أجره، لكن أجره لا يكفيه رغم كثرة ما يدفعه آباءهم من وجهه نظرهم.
تداعت سلطة المدرس بالتدريج، وتراجعت الأولوية من "الحرص على التعلم" إلى "ضرورة تخطى عقبات" الدراسة للمرور بأية طريقة، ودون مؤهلات علمية أحيانا كثيرة إلى المرحلة الجامعية.
لم يعد منطقيا، وفق ما سبق من تصورات أن "يتأزم" الطلبة بامتحانات "صعبة"، أو أن تعود سلطة "المدرس" فى نهاية العام بـ"محنة" لم تكن فى الحسبان، وليس فى مقدور الطلبة تجاوزها.
"ثقافة الخليج" كانت قد تحكمت فى طبقة جديدة ظهرت، فغيرت كل شىء، لم تعد سلطة المدرس مقبولة، فى الوقت الذى تغيرت فيه مفاهيم كثيرة منها مثلاً مجىء أستاذ الجامعة فى المرتبة الثانية اجتماعياً – وفق ثقافة الخليج - بعد صاحب "محلات البقالة".. على أساس الدخل الشهرى!
فى المظاهرات أمام وزارة التعليم تحجج أولياء الأمور بصعوبة الامتحانات، والواقعة رغم غرابتها.. كانت متوقعة، ففى ذروة التغيرات الاجتماعية ، تغير مفهوم الامتحان أيضا.
الامتحان فى دول العالم "محنة"، واختبار تفرغه السهولة من مضمونه، لكن فى الأزمة، عرف الشارع مصطلحات "الطالب المتوسط"، و"الامتحان الصعب"، وانعكس ما يسمونه بـ"الحراك" على طلبة المدارس أيضا، فدخلوا مع آبائهم زمرة "المحتجون" على صعوبة أسئلة "الثانوية" بالتظاهر.
مساعد رئيس تحرير جريدة روزاليوسف
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة